سادساً: صلاحيات رئيس الجمهوريةأما عن صلاحيات رئيس الجمهورية، فقد كان من حقّك في لحظة تاريخية، سواء كان الاتفاق الثلاثي أو غيره، ألّا تسجل على نفسك أنك قرّرت طواعية تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية المطلقة والتي كانت أشبه بصلاحيات رئيس في نظام رئاسي، ولكننا نظام برلماني يفوز فيه الرئيس بفارق صوت واحد، ومع ذلك يتمتع بصلاحيات الملك. ولكن الواقع يقول إن واحداً فقط قبل «الطائف» كان يستحق هذه الصلاحيات، هو بالتأكيد الرئيس فؤاد شهاب، وواحد فقط بعد «الطائف» يستحق هذه الصلاحيات هو الرئيس إميل لحود، عدا ذلك لقد أساء جميع الرؤساء هذه الأمانة وأعطوا صورة بشعة عن الرئيس الماروني، بمن فيهم بطل الاستقلال بشارة الخوري، فكان لا بدّ من هذا التغيير. حصل هذا التغيير بعد التدمير الذاتي الذي مارسته أكبر قوتين مسيحيتين (بين التحرير والإلغاء ثم دمرت الأخرى بظرف تاريخي يستحيل أن يتكرر)، والله أعلم، ولكن كان لا بد من هذا الأمر. صحيح أنّ الوضع، الآن، ليس أفضل وأصبح كل وزير وكأنه رئيس، كما أننا لا نأمن أن تكون سطوة رئيس الوزراء فوقية، فيمرر ما يشاء بالمال أو بالتخويف أو بأي سلطة أخرى، ولكن بعيداً من كل القوانين يبقى الأصل هو الإنسان: هل نضمن أن يتسلّم المقاليد الإنسان المستقيم؟ عندما نضمن أن المسؤول مستقيم نسلمه كل الصلاحيات. ولكن تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية كان خطوة ضرورية للإصلاح، بعد التجارب الأليمة التي مر بها لبنان، وتبقى خطوة ناقصة إذا لم تدعّم بإجراءات معينة ترفع مستوى المصلحة الوطنية على كل المصالح الفئوية والطائفية والمذهبية.

سابعاً: الاتفاق الثلاثي
بالتأكيد، لم يكن الاتفاق الثلاثي مؤهّلاً لأن يحلّ المشكلة البنانية، ولم يكن الوضع ناضجاً أصلاً، وهو لم ينضج إلا بعد «التحرير» و«الإلغاء»، كما ذكرنا، ولكن كانت فرصة اهتبلها عبد الحليم خدام عندما رأى أن قائد ميليشيا متطرفاً يوافق على الورقة التي وصلته من إيلي حبيقة، بعد اتصالات غير مباشرة اطلع عليها نبيه بري ووليد جنبلاط... من دون توقيع، فقال: هل تدريان من أين هذه الورقة، قالا: من أحد القادة «الوطنيين»، قال: بل من فلان، فتفاجآ، وهكذا بدأ الموضوع... من حقه وحق القيادة السورية أن يحاولا اغتنام هذه الفرصة النادرة، وكانت محاولة من المحاولات التي تذكر بمسرحية «فيلم أميركي طويل» لزياد الرحباني، حيث صوّروا لنا أنّ الطبيب المعالج يتّصل من الخارج ويصف علاجاً فيفشل ثم يجرب غيره... أصبح اللبنانيون حقل تجارب، والحقيقة أنني التقيته أيضاً بعد سقوط الاتفاق الثلاثي مباشرة، فكان محبَطاً يسأل عن الأحاديث النبوية التي يظنّ أنها تصف الفتنة في جبل لبنان، فقال له من معي: مدّة الحرب اللبنانية حسب قناعتي (وكان من معي يؤمن كثيراً بهذا الجانب من الأحاديث النبوية)، اثنا عشر عاماً، فتفاءل بهذا، باعتبار أن الحرب قد مرّ عليها أحد عشر عاماً... عندما يعتمد سياسي كبير على ما يشبه «التنجيم»، فهذا يدلّ على مدى المغامرة التي كان يخوضها، ولكن السؤال: هل كان هناك أي احتمال لأي حلّ آخر؟ في النهاية، كانت محاولة جريئة أضيفت إليها حوارات ولقاءات وتجارب كثيرة حتى كان اتفاق «الطائف».

ثامناً: مرسوم التجنيس
أما عن مرسوم التجنيس، فلا وألف لا يا فخامة الرئيس، لقد تضمّن أخطاء لا شك ولا ريب، ولكن هناك أصحاب حق باليقين والدليل والبرهان ــــــ أهالي وادي خالد ــــــ أبناء القرى السبع كثير من مكتومي القيد بغير سبب، ولا يجوز أبداً أن نرى الأخطاء من دون أن نرى أصحاب الحقوق، ولا يزال يدوّي في ذهني ذلك العنوان في جريدة متواضعة كنّا نساهم في إصدارها في أوائل السبعينات «في وادي خالد: الدولة تجنّس البقر ولا تعترف بالبشر». نعم لقد جاء موظفو وزارة الزراعة، عام 1974، إلى وادي خالد لإحصاء الثروة الحيوانية اللبنانية، وأهالي الوادي لا يملكون إلا جنسية قيد الدرس. وهنا، أذكر ما يشبه النكتة من مقرّرات «سيدة البير»، أوائل الحرب اللبنانية: عتب على المسلمين لماذا يكثرون النسل، هذا مخالف للتطوّر البشري وما إلى ذلك، (أنقل ذلك من الذاكرة وليس من الوثائق). وعلى كل حال، العامل الديموغرافي فعل فعله، والهرم السكاني اختلف كثيراً عن عام 1943، فهل يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والعالم يتغيّر؟ هل نغيّر عقول الناس أو نقطع ألسنتهم خوفاً على الخصوصية المارونية؟ ألا يكفي أنّ كلّ القوى التي تمثّل المسلمين على تنوّعها مقرّة ومصرّة على المناصفة؟ العالم يتغيّر، ألم يصبح الزعيم المسلم القوي في فترة من الفترات، أقرب إلى الأم الحنون من كلّ المسيحيين؟ والحديث يطول! ولكن قانون التجنيس في الغالبية العظمى حقّ راسخ لا مراء فيه ولا يجوز أن يكون موضع مزايدة.

تاسعاً: مسؤولية الفلسطينيين!
لا ينبغي تحميل الفلسطينيين مسؤولية أكبر بكثير ممّا يتحملون. نعم لهم أخطاؤهم الكثيرة الناتجة عن أوضاعهم المعقّدة، ولكن اختصار أسباب الحرب اللبنانية تقريباً بالمقاومة الفلسطينية تزوير حقيقي للتاريخ، ألم تذكر قول بن غوريون عام 1954: إننا نحتاج إلى ضابط لبناني لنقيم دولة مسيحية في الجنوب بحسب تعبيره؟ يعني المخطّط الإسرائيلي موجود قبل المقاومة الفلسطينية بوقت طويل، وهنا سؤال أتمنى أن يكون الجواب عليه للجميع وليس لي فقط، ذكر ألان مينارغ، الكاتب الفرنسي المميّز، في كتابه «أسرار حرب لبنان»، أنّ الشيخ بيار الجميل المؤسّس، طلب من إسرائيل مبلغ عشرة آلاف دولار لدعمه في حملته الانتخابية عام 1951، فأرسلت له إسرائيل ثلاثة آلاف. إن كان هذا صحيحاً، ومينارغ يوثّق كتاباته بالأدلّة الدامغة، فمعنى ذلك أنّ الانحراف المتمثل بالعلاقة مع إسرائيل بدأ مبكراً، حيث لم يكن هنالك وقتها خوف من القومية العربية، ولا من شعارات عبد الناصر، ولا من الوحدة العربية، ولم يكن هنالك مقاومة فلسطينية، ولم تكن فكرة الوطن البديل والتوطين موجودة. فكيف نحصر أسباب الحرب اللبنانية بالفلسطينيين وهناك من لا يرى إسرائيل عدواً، والمعلومات نفسها ذكرها الكاتب الإسرائيلي المعروف رؤوفين آرليخ، في كتابه «المتاهة اللبنانية» مع تغيّر في الأرقام، ومع تفاصيل أكثر بكثير.
كيف يمكن إغفال حدث تاريخي بحجم الوثيقة التي وقّعها العماد ميشال عون مع السيد حسن نصر الله في كنيسة مار مخايل في 6 شباط؟


هذا فضلاً عن الكثير ممّا ذكره الكاتبان المذكوران، وغيرهما، بأدلة ووثائق، عن علاقة «الكتائب» ولقاءاتها المتعدّدة مع الإسرائيليين، ابتداءً من عام 1947 وصولاً إلى الحرب اللبنانية مع محطّات متعدّدة، فضلاً عن علاقة الكنيسة المارونية مع الصهيونية... ومنها، أن الدبلوماسي الصهيوني إلياهو إيلات، قام بزيارة البطريرك عريضة بعد تنصيبه (ونسج معه علاقات وطيدة).
كما ذكر أنه في 30 أيار 1946 بعد النكبة مباشرة، تمّ توقيع اتفاق بين الوكالة اليهودية والكنيسة المارونية للاعتراف بمطالب «الشعب» اليهودي في فلسطين، مقابل دعم إقامة دولة مسيحية في لبنان، إلخ، والكتاب مليء بالوثائق والأدلّة والتفاصيل المفجعة. كذلك، هالني على سبيل المثال لا الحصر، يوم السبت 25 تموز 2020، على شاشة الـ«إم تي في» مع دنيز رحمة، قول وزير «الكتائب» السابق سجعان قزي: «بدأنا بالمقاومة عام 1975 وقالوا لنا تصمدون أشهراً، فصمدنا سنوات وانتصرنا عام 1982». من الذي انتصر؟ الاجتياح والدماء والقتل الصهيوني انتصار لـ«الكتائب» وللمقاومة اللبنانية كما تسمّونها؟ هل هذه فلتة لسان تكشف مكنونات النفس (كما يقول علم النفس) أم خطيئة ينبغي تصحيحها؟ أفِدنا يا فخامة الرئيس.

عاشراً: وثيقة مار مخايل
كيف يمكن إغفال حدث تاريخي بحجم الوثيقة التي وقّعها العماد ميشال عون مع السيد حسن نصر الله في كنيسة مار مخايل في 6 شباط 2006، وهي من أهم التحوّلات في التاريخ اللبناني الحديث، بل في تاريخ المنطقة حيث أصبحت أكبر قوة مسيحية مارونية في لبنان، الداعم الرئيسي للمقاومة الإسلامية التي تواجه إسرائيل بالنيابة عن العالم الإسلامي كلّه، بل عن الأحرار في العالم كلّه. لقد جعلتَ كلمة رئيس ليتوانيا لاند سبيرجس، عنواناً في الكتاب «العالم يتغيّر كل يوم»، عنواناً لطيفاً لنصيحة مميّزة أسداك إياها الرئيس المغمور في البلد المغمور. نعم العالم يتغيّر، لقد كانت هذه الوثيقة علامة فارقة رعت المقاومة على الأقل عشر سنوات من توقيعها، إلى انتخاب الرئيس عون في 31 تشرين الأول 2016 بعد التسوية الرئاسية. أقول من خلال هذه السنوات العشر، وليس بعد ذلك، لأن الأمور تغيّرت نسبياً بالممارسات المنسوبة إلى جبران باسيل، والتي غطّاها الرئيس عون بشكل كامل للأسف الشديد، أما قبل ذلك فقد كانت هذه الوثيقة داعماً لأهم انتصارات لبنان، إثر عدوان تموز 2006، فكانت تحمي السلم الأهلي وتفتح آفاقاً للمستقبل، ولا تزال بالتأكيد مع بعض الفوارق. ولقد كتبتُ مرة في «النهار» على ما أذكر، أنّ تاريخ 6 شباط 2006، قد يكون للبنان من التواريخ المشهورة منذ 1860 إلى 1920 إلى 1943 إلى 1975 إلى 1982. كان تاريخاً مميّزاً وحدثاً مشرّفاً، كيف يمكن أن تغفل مذكراتك مثل هذا الحدث التاريخي؟ وما هو رأيك في الموضوع؟ لقد استمعنا إلى ملاحظاتك عن العماد عون في محطّات عدّة، وهذا من حقّك ولكن كيف لا يُذكر مثل هذا الحدث الذي أثّر على لبنان إيجابياً في مرحلة دقيقة وحرجة. وقد تزداد قيمة هذه الوثيقة، عندما نقرأ تاريخ العماد عون، وعلاقته ببشير الجميل، والثقة العميقة التي كان يتمتّع بها من الأطراف المسيحية كافة وعلى مساحة المراحل كافة.
أما ما نتج من هذا الاتفاق من تعطيل وجمود سياسي لفترة طويلة، فهو مؤذٍ من دون شك، ولكن الأشد منه أذى هو ما كان سيحصل من دون هذا الاتفاق ومفاعيله. ولا يجوز أن ننسى بأي حال، أنّ هذا الاتفاق كان يهدف إلى ما كان يطلبه المسيحيون جميعاً: أن يكون رئيس الجمهورية هو الأكثر تمثيلاً للمسيحيين، كما يفترض ذلك في رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة! فلا ينبغي أن يتم القفز عن هذه الفكرة الرئيسية.

أحد عشر: عين الرمانة
أعترف لفخامتك أن الاعتداء على المصلّين في عين الرمانة، قبل حادثة إطلاق الرصاص على الباص، لم يكن في ذهني ولا أذكره، وبالتالي كأنّك تبرِّر للذين أطلقوا النار على الباص بأنّهم قاموا بذلك كردّة فعل. لم يصل الأمر إلى حدّ التبرير الكامل، ولكن قارب ذلك، وهكذا كلّ شيء تقريباً، فقبل مجزرة الدامور 1976، المستنكَرة والبشعة والمؤلمة، كان هناك من يقطع طريق صيدا بيروت ويقتل على الهوية. حصل هذا تكراراً، وكان ما حصل في الدامور ردّة فعل (غير مبرّرة على الإطلاق)، والأفضل أن نضع في أذهاننا دائماً أنّ الاختراق الصهيوني موجود عند الجميع، وقد ثبت ذلك بالدليل والبرهان ولا أستبعد أبداً أن يكون الذين أشعلوا الفتائل هنا وهناك كانوا جميعاً من العملاء الصهاينة، الذين عملوا بدقة واحتراف لإيصالنا إلى ما نحن عليه. وهنا يُطرح سؤال: وكأنّك تعلم تماماً مَن الذين أطلقوا النار على الباص؟ ألم يحن الوقت للكشف عن أسمائهم، أو عن الجهة التي أمرتهم بذلك؟ لأنّك أشعرتنا بالحرج بسبب اتهام الكتائب (البريئة) من هذا العمل الشنيع. أليس من تمام الأمر إعطاء الصورة الكاملة خاصة وما ترمز إليه حادثة الباص كمنطلق للحرب اللبنانية؟ وبعد مرور هذا الوقت الطويل؟

ثاني عشر: العلاقة مع القادة الفلسطينيين
المقاومة الفلسطينية أخطأت كثيراً، ولكن في الوقت نفسه تحمل قضيّة مقدّسة. ويظهر تناقض واضح بين تحميلك الفلسطينيين مسؤولية خراب البلد، فيما هم كانوا في تل الزعتر حيث شاركت كما كتبت صاحب الفخامة. كانوا مستضعفين محاصَرين مظلومين، وكذلك في محطات أخرى، والسؤال: كيف ينسجم تحميلك الفلسطينيين هذه المسؤولية الكبرى، في الوقت الذي تفخر فيه بعلاقتك بالشهيد ياسر عرفات وخليل الوزير وأبو إياد وغيرهما؟ وهل العناصر والجنود مسؤولون عن الدمار والقادة مبرّؤون من المسؤولية؟ أم أنّ في الموضوع أموراً أخرى؟

ثالث عشر: الاستعراض
لقد كنتُ دائماً كمراقب، أتّهم شخصك الكريم بالاستعراض، يعني كأنّك تهتم بالصورة والشكل أكثر بكثير من اهتمامك بالمضمون، ولا بدّ أن نعترف أنك كنت في أكثر الأحيان توفّق بالشكل، ولكن يكون المضمون هباء، وهذا ينطبق على خطابك في ثكنة هنري شهاب في عيد الاستقلال، وعلى خطابك في الملعب البلدي في الطريق الجديدة، وعلى أكثر لقاءاتك وزياراتك، خاصّة المفاجئة منها واللطيفة، وعلى الاهتمام بالصغيرة ريميه بندلي وأغنيتها الجميلة «اعطونا الطفولة»، أو ذهابك وأنت تقود السيارة الشخصية لحضور الفيلم العالمي «غاندي»، أو توزيعك «سبحات» جميلة وثمينة على المسؤولين المسلمين كهدية، واللائحة تطول. وأظنّ أنّ الاهتمام بالشكل كان على حساب المضمون، لذلك والله أعلم فاتت فرص كثيرة كان يمكن الاستفادة منها. هذا أمر في تركيبة الشخص، ولكن يمكن تلافي الأمر بقرار حاسم يُلزم الإنسان نفسه ويغيّر حتّى من شخصه.
ولا بدّ من ملاحظات سريعة:
1 ــ تصوير المسلمين وسائر أنصار المقاومة الفلسطينية، على أنهم يناصرونها خوفاً فقط، افتئات على الحقيقة. كذلك، تصوير السياسيين اللبنانيين المسلمين الموالين للسياسة السورية، بأنّهم يفعلون ذلك خوفاً فقط، فيه مبالغة كبيرة، فإن كثيراً منهم اقتنعوا بالسياسة السورية فساروا بها طوعاً لا خوفاً، وأرجو ألا أُفهم خطأً عندما أذكر بيت الشعر للمتنبي: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتريه من توهم
1ــ اتهام الجيش اللبناني باغتيال معروف سعد، لا ينبغي أن يكون مجرّد اتهام. إنّ الذي أطلق الرصاص جندي في الجيش اللبناني اسمه معروف، والسؤال: هل كان بأمر من قيادته أم لا؟ هنا المعضلة التي لم تُكشف: أخبرني هنا الرئيس ميشال عون في منزله في الرابية، عام 2007، أنه كان وقتها قائداً للجيش في الجنوب، وكان منزله في بيوت الضبّاط في صيدا، وأنّه تعاون مع التحقيق وأرسل كلّ من طُلب إلى التحقيق، ولا نعلم بقية التفاصيل التي ذهبت أدراج الرياح، وكانت جزءاً من المخطّطات التي أشعلت الحرب اللبنانية.
2 ــ صورة فخامتك مع رشيد الصلح، وأنت تمسكه من الخلف وتجرّه بحجّة أنه يجب أن يسمع تعليق «الكتائب»، لم تكن أمراً موفَّقاً ولا يمكن أن تضعه في سجل حسناتك وإنجازاتك. كان يمكن إسماعه رد «الكتائب» من دون هذه الوقفة الاستعراضية المؤذية للمشهد السياسي.
3 ــ أيضاً إغفال مجزرة إهدن أمر ليس مقبولاً.
4 ــ لم يكن الدخول السوري إلى لبنان بطلب من «الكتائب» ولا من فرنجية، كيف؟ ما هي الحقيقة وما هي الوثائق؟
5 ــ سررت بذكرك لوظيفتك المتواضعة في مجلس المشاريع الكبرى التي كانت السبب في تعرّفك إلى مناطق لا تعرفها من لبنان.
6 ــ عندما تكثر الحديث عن تجاوز الإرادة اللبنانية: قرارات تؤخذ من دون استشارة اللبنانيين كاتّفاق «مورفي ــــــ الأسد»، أو الدخول السوري إلى بيروت في شباط 1987، أو غير ذلك، أليس في ذلك مبالغة؟ يجب الاعتراف بأنّ السبب هو الخلافات اللبنانية الحادّة، بل الانقسامات، وأنّ فخامتك في تلك الفترة، كنت لا تمثل أحداً في لبنان تقريباً، المسيحيون رفضوا دورك وقراراتك، والمسلمون كذلك على حدّ سواء، ومؤسّسات الدولة منهارة، من يُستشار وكيف ولأيّ سبب. كانت تلك المرحلة كأنّها مرحلة انعدام الوزن، والسبب الرئيس هو التردّد في شخصيّتكم الكريمة وعدم الوضوح، والتناقض بين ما يقال في الاجتماعات وما يمارَس في الواقع، كما يقول كلّ من تعامل معك من السياسيين، سواء كانوا مؤيّدين أو معارضين.
7 ــ حذّرت كثيراً من غدر الأميركيين وتخلّيهم عن أصدقائهم، واستشهدت بفرح ديبا ونيكسون وغيرهما، ولكن ذلك لم يظهر في سياستك وقراراتك، فظللت تعتمد عليهم وتثق بهم في الظاهر على الأقل. ولقد ذهبت مباشرة بعد خروجك من بيروت إلى هارفرد وغيرها من جامعات أميركا... وكأنك تقول مع الشاعر: «وداوني بالتي كانت هي الداء». ولن يلخِّص السياسة الأميركية في لبنان تجاه المسيحيين أفضل من هنري كيسنجر، حين قال للرئيس سليمان فرنجية: «هذه البواخر تنتظركم، تذهبون جميعاً إلى أميركا وتعيشون هناك أفضل حياة»، هكذا بكل بساطة.
8 ــ سررت بذكرك تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، التي برّأتك من تهمة الحصول على عمولة من صفقة طائرات «البوما»، والحق أنّ هذا الأمر ليس مشهوراً، وكان ينبغي أن يكون إعلانه أكثر شهرة. هذا مع العلم أنّ مثل هذه «البراءة»، يمكن أن تكون جزءاً من صفقة أو تسوية سياسية، فأنت تعلم تماماً أن الجمهور فقد الثقة بكل ما هو رسمي تقريباً، حتى لو كان الذي أعلن هذه البراءة، صاحب الوجه البشوش والصيت الحسن الرئيس إيلي الفرزلي حفظه المولى.
وللأسف أقول، تحتاج فخامتك إلى جهد أكبر لإقناع الرأي العام أنّك مبرّأ من كل التهم المالية المنسوبة إليك، من المشاركة الإجبارية لبعض المشاريع في المتن، إلى كثير من الاتهامات التي لا تعتبر «البوما» أهمّها. نتمنى أن يحصل ذلك للتاريخ.
9 ــ سؤال يطرحه الجميع: لقد نُفّذت أحكام إعدام متعدّدة في عهدك، أذكر منها إبراهيم طراف الذي قطّع ضحيّتَيه إرباً، ورماهما في حديقة الصنائع، وغيره، لماذا لم يتم إعدام حبيب الشرتوني، طالما أنّ التهمة قد ثبتت عليه؟ هل كان هناك ضغوط؟ هل كنتم تنتظرون أن يكشف عن معلومات أكثر؟ حقيقة يجب أن تُعلن، ولا يجوز فقط أن تذكر فخامتك على سبيل الإدانة، أنّ قوة من الجيش السوري ذهبت إلى رومية وأطلقت سراحه بعد 13 تشرين 1990 (هذا طبعاً بغض النظر عن رأينا بالموضوع، والذي لا شكّ يختلف تماماً؛ إنما هو تساؤل كبير ينتظر التوضيح من فخامتك).
10 ــ أبرزت فخامتك دورك في مقاطعة انتخابات 1992 كدور بطولي. هل كانت هذه المقاطعة فعلاً بطولة، أم كانت خطأ كبيراً تمّ تلافيه في انتخابات 1996؟
11 ــ ذكرتَ أنّ تبوُّء الرئيس ميشال عون منصب رئيس مؤقت للحكومة كان باختيارك، المشهور بالإعلام، والله أعلم، أنّ جعجع قام بإرغامك على هذه الخطوة التي كنت ترفضها، وكانت صورة وجهك تنبئ بمثل هذا، أين الحقيقة؟
12 ــ صدّرت الكتاب بكلمتك المشهورة: أعطونا سلاماً، وخذوا ما يدهش العالم، لقد رأيتك على الشاشة تستمع إلى كلام يوجّهه إليك جوزيف جريصاتي، فيذكر هذه الجملة امتداحاً لفخامتك، فعلقت مازحاً: «أنت الذي قلتها وليس أنا»، باعتباره كان يكتب الخطب لفخامتك. برأيي المتواضع لا بأس من ذكر هذه الملاحظة مثلاً: كلمتي هذه التي صاغها فلان وتبنيتها فأصبحت شعاراً للعهد، ولهذا الكتاب... من باب العرفان لمن كتبها ثم لمن أطلقها شعاراً؟
13 ــ لا شك أنني في هذه الصفحات لم أذكر كلّ شيء، ولم أعلّق على كل شيء، الجعبة مليئة بالذكريات والتعليقات والتفاصيل التي عشناها يوماً بيوم، وساعة بساعة، ولكن ما كتبناه قد يكون عنواناً للذي لم نستطِع كتابته خوفاً من الإطالة، أو من أمور أخرى... ولا بد أن ياتي يوم نؤرّخ فيه لهذا الوطن بلغة واحدة، إن شاء الله، على صعوبة هذا التمنّي، ولكن الله على كلّ شيء قدير.

خاتمة
أخشى فخامة الرئيس أن تكون النتيجة التي يخرج بها القارئ من هذه المذكّرات، هي اليأس من بناء لبنان من جديد، طالما أنّ فريقاً من اللبنانيين ينظر إلى إسرائيل كحليف دائم أو محتمل، وليس كعدو تاريخي وجودي كما ينظر الآخرون. ولا يبدو أنّ التجارب تدفع الفرقاء والذين أوغلوا في الأخطاء، إلى مراجعة حساباتهم وإجراء محاسبة ذاتية ومواجهة الجمهور اللبناني بنتيجة هذه المراجعات. ولكنّ اليأس لن يدخل إلى قلوب المخلصين، نستطيع مثلاً أن ننتقي من المشاهد المتناقضة، ما يدفعنا إلى الأمام كمن يرى النصف المليء من الكوب، فمثلاً بالنسبة إلى فخامتك: صورتان متناقضتان إحداهما تدعو إلى اليأس: كلامك الجازم على قناة «الجزيرة» أنّ إسرائيل هي الوحيدة التي كانت تدعم «صمود» المسيحيين في وجه الآخرين خلال الحرب اللبنانية... صورة مؤلمة. والصورة التي تدعو إلى التفاؤل، أي ردّة فعل فخامتك عند اغتيال ولدك البكر والوزير المميّز الواعد بيار الجميل، حيث دعوت إلى أن تكون تلك الليلة ليلة صلاة ودعاء بعيداً عن الانتقام والدماء. ثم ما لبثت أن قمت بزيارة لسماحة السيد حسن نصر الله، في تلك الفترة التي كان فيها الانقسام عامودياً حاداً.
سنبقى نبحث عن الأمل حتى يفرِّج الله تعالى عن هذا الوطن، وعلى هذا الأساس سيكون جوابنا على العنوان: نعم ستنفع الكتابة بإذن الله.

* الأمين العام لاتحاد علماء المقاومة

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا