كانت مجزرة عين الرمّانة الشرارة التي أشعلت الحرب، وكان ذلك مُراداً لها بعدما فشلت محاولة شنّ الحرب الأهلية الشاملة، في ربيع ١٩٧٣، عندما فوجئ الجيش اللبناني، ورعاته في أميركا وفلسطين المحتلّة، بقوّة تصدّي المقاومة. عندها، بروايات ووثائق متعدّدة، تحوّل الاهتمام والتسليح الغربي الصهيوني من الجيش اللبناني إلى ميليشيات اليمين الانعزالي. تخريجة جورج حاوي بإعلان «عزل الكتائب» (من دون إقران ذلك بالجديّة في الالتزام المُعلن)، كانت لتلافي ما كانت الجماهير تطالب به آنذاك، أي مواجهة الاستفزازات العسكرية الكتائبية، المستمرّة منذ عام ١٩٦٩، والتحضّر للحرب التي تعدّها «الكتائب» بالنيابة عن إسرائيل وأميركا. كانت التخريجة ضعيفة، وكان يمكن أن تطالب الحركة الوطنية بموقف أكثر قطعاً، عبر الدعوة إلى حلّ الحزب وحظره. كان يجب أن يكون هذا هو الموقف في عام ١٩٨٤، عندما تمّت هزيمة «الكتائب» بصورة حاسمة للمرّة الأولى في تاريخ لبنان، لكنّ الحركة الوطنيّة كانت قد ماتت، بعدما أعلن وفاتها وليد جنبلاط نفسه، بعد أيّام فقط على لقائه الشهير مع شمعون بيريز (كان اللقاء بحسب جنبلاط للتباحث في شؤون «الاشتراكيّة الدولية»، و«الاشتراكيّة» حرص تقليدي من وليد جنبلاط ويشاطره في الحرص نعمة طمعه، مستشاره لشؤون تمويل الحملات الانتخابية وتحضير الطائرات الخاصّة لسفر الزعيم).
كان يمكن إعلان حظر «الكتائب» بعد الطائف، لأنّه بات معلوماً آنذاك أن هذا الحزب كان المسؤول الأوّل (هو ورعاته في تل أبيب وواشنطن وبعض عواصم الغرب) عن إشعال وإدامة أمد الحرب الأهلية. لماذا لا نتعلّم من تجربة ألمانيا، وليس من تجربة حزب «البعث» في العراق، بعد عام ٢٠٠٣، لأنّ كلّ ما سنّه المحتل الأميركي من قوانين وإجراءات باطلٌ، ولا يعبّر إلّا عن إرادة المحتلّ وأدواته في مجلس بريمر، وما خلف مجلس بريمر. في ألمانيا، سنّت الحكومات المتعاقبة بعد الحرب العالمية الثانية، قوانين صارمة ضد العقيدة النازية (التي ألهمت مؤسّس حزب «الكتائب» اللبنانية، باعترافه، أثناء زيارته برلين في أولمبياد عام ١٩٣٦). فليس مسموحاً هناك نشر أو توزيع رموز المرحلة النازية (ليس فقط الصليب المعقوف، حتى التحية الهتلرية محظورة). كذلك، فإنّ إنكار المحرقة محظور لأنّ ذلك يخدم العقيدة والسردية النازية. والتحريض ضد الكراهية هناك ممنوع أيضاً، عندما يستهدف فرداً أو مجموعة بناء على الإثنيّة أو الدين، أو التحريض العنفي ضد فرد أو مجموعة. كما أن المحكمة الألمانية العليا تستطيع أن تمنع وجود أيّ حزب يضرّ أو يزعزع النظام السياسي. حتى النظام الاقتراعي النسبي في ألمانيا يحدّد الحدّ الذي يحصل فيه الحزب على أحقية التمثيل بـ٥٪، وذلك لاستبعاد الأحزاب المتطرّفة. مع ذلك، يجب عدم الذهاب بعيداً في التمثّل بالنموذج الألماني، لأنه لا يُطبّق بصرامة في حالات أيديولوجيات العداء ضد الإسلام، كما يُطبق في أيديولوجيات العداء ضد اليهود. والحزب الجديد، «البديل لألمانيا»، هو محاولة التفافية على قوانين حظر الأحزاب العنصرية المتطرّفة. تنطبق على حزب «الكتائب» كل هذه الصفات التي أدّت إلى حظر الحزب النازي في ألمانيا. لا، حزب الكتائب، قانوناً ودستوراً، زاد على شناعة الحزب النازي في ألمانيا شناعة لم يرتكبها الحزب الألماني: هو خان الوطن وعمل لمصلحة عدوٍّ خارجي، وتسلّح منه وعمل مُخبراً له ومنفّذاً لإرهابه.
لكن ماذا عن الحجج والذرائع التي ساقها «شيوعيّون» عن اللقاء بين الحزب «الشيوعي اللبناني» وبين حزب «الكتائب» (لماذا نشر موقع الحزب «الشيوعي» خبر اللقاء، مصحوباً بصورتيْن عنه، لكن صفحتَي حزب «الكتائب» على موقعي «فايسبوك» و«تويتر» لم تُشيرا إلى اللقاء بكلمة؟ هل «الكتائب» يخجل باللقاء، فيما يزهو به الحزب «الشيوعي»؟). يقال، مثلاً، إن الحرب وراءنا وإنه يتوجّب تجاوز تلك المرحلة. لكن موجبات التعامل مع الحرب ومخلّفاتها تختلف بين فرد ليبرالي مثلاً أو يميني، (لا فارق بين الصفتيْن في بلادنا) وبين «الشيوعي». معايير «الشيوعية» في التحالف والعداء، يجب أن تكون غير ما هي عليه لغير «الشيوعي».
كان يمكن إعلان حظر «الكتائب» بعد الطائف لأنّه بات معلوماً أن هذا الحزب كان المسؤول الأوّل عن إشعال وإدامة أمد الحرب الأهلية
يبدر عن الجيل الجديد من «الشيوعيّين» اللبنانيّين (الواقعين تحت تأثير بروباغندا هائلة لـ١٤ آذار ــ وهي بروباغندا ناجحة)، حدّة في العداء ضد «حزب الله» تفوق الحدّة في العداء ضد اليمين الانعزالي الذي عمل لسنوات طويلة بأمرة العدو الإسرائيلي. وعداء جيل جديد من «الشيوعيّين» لـ«حزب الله» غير مفهوم. إذا كانت عقيدة الحزب الدينية هي المشكلة، فإنّ حزب «الكتائب» يرفع الله في شعاره أيضاً، وكلّ قوى اليمين الانعزالي استغلّت الدين لأهداف التعبئة والتحريض وحتى القتل. وكانت الكنيسة (خلافاً لإرادة البطريرك خريش) تساهم في دعم الميليشيات، إلا أنّ الرهبانيّات المارونية كانت شريكة ميليشياوية، واستخدمت الأديِرة لتخزين السلاح قبل الحرب. إذا كانت يمينية «حزب الله» هي العائق أمام تقارب الجيل الجديد من «الشيوعيّين» مع الحزب، فإنّ عقيدة حزب «الكتائب» هي الأشدّ يمينيةً في التمسّك بالرأسمالية، وما كان يسمّيه بيار الجميّل المؤسّس، بـ«المبادرة الفردية». أما مسألة قتل «الشيوعيّين»، فباتت لازمة في خطاب جيل جديد منهم، كما هي لازمة في إعلام النظام السعودي والقطري وكل الدعاية الصهيونية العربية ضد «حزب الله»، كحركة مقاومة ضد إسرائيل. ١) ليس محسوماً أن «حزب الله» هو المسؤول عن قتل «الشيوعيّين» في تلك السنوات الحالكة (وقد قمتُ بدوري في محاولة التحقيق في الأمر وسألتُ قيادات عليا في الحزب). وكان رئيس تحرير هذه الجريدة (وهو كان قريباً جداً من قيادة الحزب «الشيوعي») قد صرّح في مقابلة تلفزيونية بأن حركة «أمل» هي المسؤولة عن قتل «الشيوعيّين» لا «حزب الله»، خصوصاً أن اشتباكات عنيفة نشبت بين «أمل» والحزب «الشيوعي» قبل عام ١٩٨٢ وبعده. لم تنشب معارك بين الحزب و«الشيوعي»، كما نشبت بينه وبينه «أمل».
لكن إذا كان اغتيال مجموعة من (خيرة) «الشيوعيّين» هو السبب الذي يفسّر عداء جيل جديد منهم لـ«حزب الله» (مع أنه ليس هناك من دليل على ضلوعه)، فلماذا هذا الجيل نفسه يكنّ الودّ لياسر عرفات، المسؤول في صيف ١٩٨٣ عن مقتل أكثر من خمسين «شيوعيّاً» في طرابلس، على يد حركة «التوحيد» (وهي دكّانة عرفاتية)، ورمي جثثهم في البحر لتجنيب الأرض التلوّث بهم، بحسب زعمهم؟ (يُذكر أنّ قائد «جمّول» في تلك الفترة، إلياس عطالله، كان يحارب إلى جانب الجيش السوري). لماذا لا يتمّ ذكر هؤلاء الضحايا «الشيوعيّين» من قِبل الذين يذكّرون باغتيال «حزب الله» لـ«شيوعيّين» صبحاً ومساء؟ والأكيد أن اغتيال الحريري أطلق العنان لدعاية خليجية ــ غربية ــ صهيونيّة ضد «حزب الله» (كمقاومة ضد إسرائيل)، وعندها فقط بدأ نسج الحكايات عن مسؤولية «حزب الله» عن اغتيال «شيوعيّين»، كما أن أجهزة الدعاية تلك بدأت بنسج الأساطير عن «جمّول»، وليس من أجل الاعتراف بالجميل لدورها الرائد، بل فقط من أجل النيل من القسط الأكبر لـ«حزب الله» في تحرير الجنوب من العدوّ، وفي ردع العدوّ كما لم يُردع في تاريخه. وصدّق «الشيوعيّون» الشباب تلك الحكايات، بينما أصبحت أسطورة «جمّول» من حيث المبالغة فيها، مهينة للتضحيات الحقيقية لمناضلي «جمّول»، الأحياء منهم والأموات. لم يكن شهداء «جمّول» يريدون أن يتم استعمال تضحياتهم من أجل خدمة دعاية سياسية معادية للمقاومة. لا، بل إن هناك من صدّق القصة، عن أن «حزب الله» منع أيّاً كان من غير الشيعة من الاقتراب من فعل المقاومة، وإنه، لولا منعه، لكان الحزب «الشيوعي» لا يزال يقود المقاومة اليوم. طبعاً، الحقيقة أن الطابع السياسي لأهل الجنوب تغيّر كثيراً وانهارت منظومات الحركة الوطنية برمّتها، وهذا الانهيار الفظيع من معالم الهزيمة الكبرى في اجتياح عام ١٩٨٢، عندما كان يخرج معظم الأسرى «الشيوعيّين» من «أنصار» ليعودوا إلى منازلهم متقاعدين عن «الشيوعيّة»، أو مغادرين نحو «أمل» أو «حزب الله»، أو حتى إلى حركة رفيق الحريري، التي تضمّ اليوم قياديّاً من الحزب «الشيوعي» في قيادة «تيار المستقبل»، حتى لا نتحدّث عن هجرة كوادر عليا وقيادات من «منظمة العمل الشيوعي» باتجاه عائلة الحريري غير «الشيوعيّة».
يجهل البعض أن هناك دراسة داخلية للحزب «الشيوعي» عن التوزّع الطائفي لشهداء الحزب قبل عام ١٩٨٠، أي قبل ولادة «حزب الله». تقول الدراسة إن نسبة الشيعة بين شهداء الحزب في كل لبنان بلغت ٥٨٪، فيما لم تزد نسبة السنّة بين الشهداء عن أكثر من ٧,٥ ٪. كيف نفسّر هذه الأرجحية الشيعية في الأرقام؟ هل منع الحزب «الشيوعي»، في حينه، غير الشيعة من المساهمة في المقاومة، من أجل تطييف ومَذهبَة النضال ضد إسرائيل، كما يُقال اليوم عن «حزب الله»؟ (راجع العدد الخاص لجريدة «النداء» في الذكرى الرابعة لانطلاقة «جبهة المقاومة» في ٢١ أيلول، ١٩٨٦. وفي هذا العدد، يُلفتك عدد الكتّاب في جريدة الحزب «الشيوعي» من الذين انتقلوا برشاقة من الإعلام «الشيوعي» إلى الإعلام الحريري والخليجي، وفي سنوات قليلة). وقد تجاهلت سرديّة ١٤ آذار الخبيثة عن «جمّول»، بالكامل، دور أحزاب أخرى، غير الحزب «الشيوعي»، في مقاومة إسرائيل في حينه. عدد «النداء» الخاص (المذكور أعلاه) مثلاً، يتحدّث عن عمليات لمنظمة حزب «البعث» وللحزب «القومي». كل هذه السرديّات تغيّب الدور الكبير للحزب «القومي»، لأنّ تعظيم دور «جمّول» لا علاقة له بـ«جمّول» من قبل اليمين، بل هو دعاية خبيثة ضد المقاومة الحالية ضد إسرائيل، والتذكير بدور أحزاب موالية للنظام السوري في المقاومة لا يستقيم مع سرديّة ١٤ آذار. أذكر عندما وصلتُ إلى أميركا، في عام ١٩٨٣، أنّ كل الإعلام الصهيوني هنا في الثمانينيّات كان مشغولاً بالتحذير من دور الحزب «السوري القومي الاجتماعي» في قتال إسرائيل في جنوب لبنان، ولم يكن يرد في إعلام العدوّ أي حديث عن «الشيوعيّين» (بالرغم من تضحياتهم طبعاً). (راجع مقالة الصحافي الإسرائيلي، إيهود يعاري، في مجلّة «أتلانتك» في حزيران ١٩٨٧ بعنوان «وراء الإرهاب»، وفيها حديث عن الدور المتعاظم للحزب «القومي» في قتال وإزعاج جيش الاحتلال الإسرائيلي).
ثم، إذا كان اغتيال عدد من «الشيوعيّين» هو السبب للعداء الذي يكنّه الشباب «الشيوعي» لـ«حزب الله»، فكيف ينسى ويغفر هؤلاء لحزب «الكتائب» قتله بالدم البارد، في ساحات القتال وعلى الهويّة وفي اصطياد مُستهدف، للآلاف من «الشيوعيّين» و«الشيوعيّات» في كل لبنان؟ ينسى البعض أن حزب «الكتائب» رسم صورة مغايرة لتاريخه في الحرب. أصبح الحزب لا يعترف إلا بـ«مقاومته» ضد توطين الفلسطينيين متناسياً أنه قتل الآلاف على الهوية (من المسلمين والفلسطينيين والمسيحيّين المنضوين في صفوف الحركة الوطنية). حزب «الكتائب» كان الحزب اليميني المُجاهر بعدائه الفظيع لليسار، وكان يتلقّى الدعم والسلاح الأميركي في الحرب الباردة، بسبب شدّة عدائه وحربه ضد «الشيوعيّة» و«الشيوعيّين». في كلّ تصريحات بيار الجميّل، قبل وأثناء الحرب، كان يعترف أنه يحمّل «اليسار المحلّي والعالمي» المسؤولية عن الحرب، أكثر ممّا يحمّل المقاومة الفلسطينية. وقد أعلن كمال جنبلاط مقاطعة حزب «الكتائب» في عام ١٩٧٤، وطلب استثناءه من التمثيل السياسي بسبب حملات الحزب المكارثية ضد اليسار.
حزب «الكتائب اللبنانية»، لم يعتذر أو يراجع مسيرته في الحرب. قد يكون هذا الحزب، مع كل أحزاب «الجبهة اللبنانية» و«القوّات اللبنانية»، أكثر الأحزاب اللبنانية عناداً في التمسّك بالأحقية الذاتية والزهو بمسلك الحزب وتجربته في الحرب. وإذا كان جورج حاوي ومحسن إبراهيم (الأخير خصوصاً)، قد أهانا شهداء الحركة الوطنية، في تلاوة لفعل الندامة وللاعتذار المتكرّر عن دور الحركة الوطنيّة، وفي ذم الحرب الأهلية، برمّتها، وهذه الحرب هي التي قادت لبنان للتخلّص من سيطرة الانعزال اللبناني على الدولة والدستور. هذه الحرب هي التي هزمت ميليشيات الانعزالية اللبنانية، وأقرّت مجموعة إصلاحات (غير جذرية) لكن معظمها كان وارداً في مشاريع الحركة الوطنية نفسها. لا يزال هذا الحزب متمسّكاً بدوره وزهوه في حروبه، لا بل هو يعتبر أن تحالفه مع العدوّ الإسرائيلي كان من باب الضرورة، مع علمه أنه كان خياراً ذيليّاً من قبل الحزب الذي اختار التعاون مع العدوّ في الخمسينيات من القرن الماضي (عبر قائده، إلياس ربابي، وهو عمل سفيراً لكنه أُقصيَ من منصبه في عهد شارل حلو في حملة فريدة ضد الفساد، عُرفت بحملة «التطهير»). استسهل الحزب ذلك، عبر رواية جوزيف أبو خليل، وعبر روايات أخرى عن علاقة الحزب بإسرائيل، والتي لم تكن فقط من أجل ضرب المقاومة لأنها سبقت انطلاق المقاومة في لبنان. هذه العلاقة كانت استقواء من طرف داخلي ضد خصومه في الوطن وفي المجلس النيابي.
يقول «الشيوعيّون» المتقبّلون لفكرة التواصل، أو حتى التحالف، بين الحزب «الشيوعي» وحزب «الكتائب»: لماذا نحمّل القيادة الحالية المسؤولية عن جرائم الماضي. لسبب بسيط: لم تتنصّل القيادة الحالية من واحدة من جرائم وآثام الماضي. عامر الفاخوري كان ناشطاً في حزب «الكتائب» «الجديد»، على سبيل المثال. وسامي الجميّل كان يسعى إلى التقسيم في تنظيمه «لبناننا»، وكان مستشاره فيه متدرّب لبناني في «مؤسّسة واشنطن» (الذراع الفكرية للوبي الإسرائيلي). حزب «الكتائب» الحالي لا يزال على طائفيّته وتقسيمه ورجعيّته ويمينيّته ومعاداته لمقاومة إسرائيل. حزب «الكتائب» الحالي يعادي المقاومة اللبنانية ضد إسرائيل، بالدرجة نفسها لمعاداة حزب «الكتائب» الماضي للمقاومة الفلسطينية. لم يعد الحزب انعزاليّاً في سياسته العربية، فقط لأن العروبة تغيّرت: من عروبة ناصرية تعادي إسرائيل إلى عروبة خليجية تهادن إسرائيل وتتحالف معها تحت الطاولة. لم يتنصّل هذا الحزب الحالي من عهد أمين الجميّل، واحد من أفسد العهود في تاريخ الجمهورية والذي تنصّب بمشيئة إسرائيلية. على ماذا يتفق «الشيوعيّون» و«الكتائبيّون»؟ على معارضة حسّان دياب؟ هل يستحق هذا التوافق القفز على جثث الآلاف من «الشيوعيّين» والمدنيّين والمدنيّات؟ هل التوافق بين الحزبيْن على «مكافحة الفساد» يكفي لتسويغ اللقاء؟ حسناً، إن عائلة الحريري وعائلة جنبلاط وعائلة بري تعادي الفساد أيضاً. من لا يعادي الفساد؟
إن معايير «الشيوعيّين» يجب أن تختلف عن معايير الأحزاب الكلاسيكية. هناك اتجاهات ليبرالية واضحة بين الجيل الجديد من «الشيوعيّين» (وقد لاحظتُ ذلك في تواصلي مع «شيوعيّين»). ولوحظ أن حريريّين وقواتيّين أثنوا على الاتجاه الجديد للحزب «الشيوعي»، بينما ردّ بعض «الشيوعيّين» بأنّ «لا صداقة دائمة ولا عداء دائماً». لكن هذه معايير الأحزاب البورجوازية. الأحزاب «الشيوعيّة» هي أحزاب عقائدية، تثبت على عقيدة بصرف النظر عن شعبيّتها أو انعدامها. هل يعني ذلك دعوة لمقاطعة أبدية لحزب «الكتائب»؟ ليس بالضرورة، إذا ما طالب اليسار بحظر حزب «الكتائب» وشعاراته من الحياة السياسية اللبنانية. لمَ لا؟
* كاتب عربي (حسابه على «تويتر» asadabukhalil@)