أنيس نقاش *
ذهب وزراء الدول العربية الى الأمم المتحدة وهم يحملون كل آمالهم الموهومة بمحاولة إقناع مجلس الأمن بتحمّل مسؤولياته تجاه حل قضية الصراع العربي الاسرائيلي. الولايات المتحدة أعادت تذكيرهم بأن هذه المنظمة تعمل تحت إشرافها وبتوجيهاتها، وانه لا مجال لتخطي الولايات المتحدة وقدرتها على تعطيل أي مسار من هذا النوع. فهي صاحبة الملف وليست في وارد التخلّي عنه.
جرؤ البعض بتوضيح المأزق العربي. وعوض ان ينتقد الولايات المتحدة وسياساتها، بدأ بنشر مخاطر نمو ظاهرة المقاومة على حساب سياسات الدول العربية الرسمية التي أصبحت مهددة بمكانتها وقدراتها فما كان من الادارة الاميركية إلا ان هدتهم إلى طريق الخلاص.
الخطر الحقيقي الذي تتحدثون عنه يأتي من ايران وعليكم العمل ضمن استراتيجيا واحدة للتصدي لهذا الخطر.
كوندوليزا رايس قامت بدور ترجمان الأشواق، فتحدثت نيابة عن هذه الدول فقالت في مقابلة مع ثلاث صحف أميركية: ان الدول العربية المعتدلة باتت تعي المخاطر الناجمة من تنامي النفوذ الايراني الذي بات يهدد مصالحها، مضيفة ان هذا ما يفسر موقف السعودية ومصر والأردن من حزب الله بعد الهجوم الذي نفذه ضد اسرائيل.
وزير الخارجية المصري كان قد سبق تصريحات رايس بإعلانه من واشنطن لإحدى الصحف العربية: ان اجتماعاً كان قد ضم وزراء دول مجلس التعاون الخليجي إضافة الى مصر والأردن مع رايس على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث أوضاع الخليج والحاجة الى التوصّل الى توافق عربي أكثر إحكاماً، وأكثر قدرةً للتأثير في مسائل متعلقة بمنطقة الخليج. وكشف أبو الغيط، استناداً الى الصحيفة نفسها، ان مصر تسعى الى ربط «استراتيجيا مصرية» للتعامل مع ايران، «باستراتيجيا عربية متمثلة في مجلس التعاون الخليجي، وأخذ ايران على انها إسلامية لها مصالح ولكن حدود حركتها يجب ان تتوافق وحدود الحركة والمصلحة العربية». واعتبر ان هناك منطقة خاضعة للسيادة والسيطرة التاريخية العربية، وستبقى كذلك. ولن نسمح بإحداث تآكل فيها. مصر لديها مسؤوليات في الاقليم العربي كله، ولديها مسؤوليات تجاهه، ولا نستبعد منطقة الخليج، منطقة الخليج تدخل في الأمن القومي العربي المصري.
هل يذكر القارئ متى كانت آخر مرة قرأ أو سمع المسؤول المصري يتحدث فيها عن الامن القومي العربي؟ بالطبع منذ سنين لم نسمع مثل هذا الكلام، الآن أصبحت الأمور واضحة، هل للاجتماع مع رايس علاقة بهذا الأمر؟؟
الى أين يتجه الموقف العربي إذاً؟ شمعون بيريس يترجم بدوره الوجهة التي يجب ان تأخذها الدول العربية «المعتدلة»، فيقول للغارديان: «ان عملية السلام لن تتقدم ما دامت حكومات المنطقة غير قادرة على السيطرة على الميليشيات المسلحة». ويضيف: «ان العالم العربي يقول لنبرم اتفاقاً شاملاً.. ولم لا؟ لكن هل يستطيعون السيطرة على حماس وحزب الله؟ هل يمكنهم السيطرة على ايران؟ لأن صنع السلام وخوض حرب ليسا مصدر جذب كبير»، وتابع «ما هي قوة إيران؟ انها ضعف المجتمع الدولي، وما هي قوة حماس وحزب الله؟ انها ضعف العالم العربي».
هكذا إذاً. ذهب العرب ليفعلوا عملية السلام فعادوا بتكليف من الولايات المتحدة بمهمة محاربة ايران وحماس وحزب الله وهكذا تتطوع قوى عربية تحت حجج الدفاع عن المصالح القومية العربية للتصدي لإيران والعمل على إضعاف حماس وحزب الله.
لم تأتِ هذه التوجهات من فراغ فقد سبقها موقف مشبوه منذ اندلاع الحرب على لبنان، واستُكمل بالموقف المتجدد المتفاهم مع الادارة الاميركية. ان اسرائيل والولايات المتحدة تحاولان الاستعاضة من فشلهما في الحملة العسكرية على لبنان، وفشلهما في إخضاع الانتفاضة في فلسطين بمحاولة إشعال حروب إقليمية وأهلية لعلّها تعوض من فشلهم في القيام بالمهمة.
ممنوع على الفلسطينيين الوصول الى حكومة وحدة وطنية، بل المطلوب إما خضوع قوى المقاومة التام ورضوخها للشروط الاسرائيلية الاميركية وإما الانشقاق الداخلي والصراع الداخلي.
ممنوع على لبنان الدخول في حكومة وحدة وطنية، بل المطلوب التوتير والتأزيم ومحاصرة القوى المقاومة لعلهم يصلون من الداخل وقوى الداخل الى ما عجزوا عن تنفيذه بالحرب.
المطروح إذاً ضمن استراتيجيا الأمن القومي العربي «كذا» التي تحضّرها مصر والسعودية والأردن بإشراف الولايات المتحدة هي مجموعة من الحروب القومية والحروب الأهلية والمذهبية، لأن إنهاك القوى الحية في الأمة أصبح شرطاً أساسياً لبقاء عروش هذه الأنظمة ولبقاء اسرائيل وللحفاظ على المصالح الاميركية في المنطقة.
ومن هنا نفهم التسريبات عن لقاءات بين مسؤول سعودي ومسؤولين اسرائيليين. والأردن الملتقي دائماً مع اسرائيل، ومصر بدورها لا تحتاج الى أكثر من توسيع دائرة المشورة المصرية الاسرائيلية الاميركية لتظهير استراتيجيا الأمن القومي المصري الحديثة. طلبتم عودة مصر الى الامن القومي العربي أرأيتم من أين عادت؟؟
عندما وقف الرئيس نبيه بري في صور وطالب مصر والسعودية بتطبيع علاقاتهم مع ايران كان يعرف تماماً موقع الداء والدواء، وقد أعطى بدعوته هذه إشارة واضحة إلى موقع الخلل والإصلاح. وفتح نافذة لعل وعسى يلبّي أحد النداء.
كيف ستترجم هذه الاستراتيجيا؟
ستترجم بتشدد من لبنان ضد حكومة الوحدة الوطنية، لأن المطلوب أزمة وطنية لا وحدة. ستترجم في فلسطين بتأزيم الوضع مع حماس حتى إسقاط حكومتها، للوصول الى تفجير الوضع. ممنوع عليهم تأليف حكومة وحدة وطنية. ستترجم الى توتير في السياسة والاعلام العربي «المعتدل» والاعلام السعودي خاصة، الذي يسيطر على ثمانين في المئة من الاعلام العربي، ضد ايران وسياساتها... ستترجم توتيراً مذهبياً. عدة العمل لتنفيذ مثل هذه الأزمات الداخلية هي تفرقة الصفوف بين الفصائل المناوئة للمشاريع الاميركية والمتصدية للمشروع الصهيوني.
باختصار التوتير سيد الموقف، وصراعات الداخل محصّلة للاستراتيجيا الاميركية الاسرائيلية العربية الجديدة.
فشلت الولايات المتحدة في تظهير الشرق الأوسط الجديد، فلجأت إلى الشرخ الأوسط الكبير.
*منسق شبكة الأمان للدراسات الإستراتيجية