الطباعة الثلاثية الأبعاد ليست خبراً جديداً في عالم التكنولوجيا والاقتصاد. فمنذ أكثر من ثلاث سنوات، نشرت مجلة «ايكونوميست» ملفّاً مسهباً عن الموضوع، مبشّرةً بأن التقنية الجديدة تمثّل «ثورة صناعية ثالثة» ستغيّر شكل العالم.تعبير «الطباعة الثلاثية الأبعاد» هو تسمية شعبية تعوزها الدقّة، والخبراء يعتمدون بدلاً منه الاسم التقني: «التصنيع بالاضافة» (additive manufacturing)، تمييزاً عن تقنيات الصناعة التقليدية التي تقوم على قصّ وخرط وتشكيل المواد الأوّليّة لانتاج السلعة النهائية. امّا في الطباعة الثلاثية الأبعاد، فلا يتمّ ازالة أيّ شيء، بل تشكّل السّلعة عبر «طباعتها» تدريجياً، طبقةً طبقة، حتى تأخذ شكلها النهائي، ومن هنا جاء الاسم.

يكفي، اذاً، أن تملك تصميماً رقمياً للغرض المنوي صناعته، وستتمكّن من تحميله كأي برنامج آخر وستبنيه لك الطابعة في أيّ مكان ــــ بعد أن يقوم الحاسوب بتقسيم التصميم الى مئات آلاف «الطبقات» المتناهية الصغر. المواد والخلائط التي يمكن استعمالها في التصنيع كثيرة، وهي تزداد يومياً، من البلاستيكات الى الفولاذ والتيتانيوم؛ وقد أصبحت هناك «طابعات» بقياسات متعدّدة، بعضها بحجم طاولة صغيرة وبعضها الآخر يصل عرضه الى عدّة امتار، ويستخدم لطباعة مواد بناء كبيرة باستعمال الباطون والألمنيوم.
حتى سنوات قليلة، كانت التقنية تستخدم أساساً لبناء نماذج أوليّة صناعية وهندسية (أي قبل أن تدخل السلعة طور الانتاج) بواسطة آلات باهظة الثمن. أمّا اليوم، فقد بدأ استخدام الطابعات في عملية الانتاج نفسها ــــ بينما انخفضت كلفة الطابعات بشكلٍ كبير ــــ وفي مجالات تتراوح بين صناعة السيارات والثياب والهندسة الدقيقة. تقول شركة «رولس رويس»، مثلاً، إن محرك الطائرات الجديد من تصميمها سيحوي قطعاً رئيسية وكبيرة صُنعت بالطريقة الجديدة (هي أجزاء مكوّنة من معدن التيتانيوم باهظ الثمن، الذي تسمح الطابعات باستخدامه بالقدر اللازم تحديداً، من دون أيّ فاقد).
الميزة للأساس لـ «التصنيع بالاضافة» هي في انّه يتجنّب أكثر سلبيات خطّ الانتاج الفوردي. خطّ الانتاج التقليدي ينتج ــــ بفعالية ــــ كميات كبيرة من السلع المتشابهة، ولكن أي تعديلٍ في المنتج يستلزم تغييرات مكلفة في كامل الخط، ويجب أن يكون الانتاج والتسويق فوق حجم معيّن حتى يصير الاستثمار الأولي في بنية التصنيع وأدواته مجدياً.
اذا طلبت من مصنّعٍ، مثلاً، أن ينتج لك نموذجاً واحداً من أداةٍ ما، فإن ذلك سيستلزم معدّات وقوالب خاصة، وسيكون سعر تلك القطع مرتفعاً بسبب قلة عددها؛ امّا في «الطباعة الثلاثية الأبعاد»، فلا يوجد فرقٌ في التكلفة بين أن تنتج نموذجاً واحداً من السلعة أو مليوناً. وهذا سيفتح ميدان التصنيع أمام شركات صغيرة، ومصممين أفراد، وسلعٍ جديدة متخصصة لا مكان لها في سوق اليوم.
يقول دايفد لاندس إن الثورة الصناعية قامت مع تمكّن الانسان من استبدال قوة العضلات بقوة الآلة؛ والطباعة الثلاثية الأبعاد هي جزءٌ من عملية أوسع، تنقل القيمة من الآلة الى البرنامج الرقمي الذي يشغّلها، وهي تعطينا فكرة عن مصنع المستقبل الذي سيعتمد ببساطة، بدلاً من الماكينات الصاخبات وآلاف العمال، على «طابعات» موصولة بحاسوب.