شهداء الإبادة الأرمنيّة
إذا كان سيّئو النيّة يعتقدون أنّ الاعتراف بالإبادة الأرمنيّة وإحقاق الحقّ المقدّس باسترجاع الأراضي المرويّة بدماء الشهداء سيتخطّاهما عامل مرور الزمن، فليعلم كلّ هؤلاء أنّ مراهنتهم على هذا الوهم باطلةٌ ومحكومةٌ بالفشل الذريع.
صحيحٌ أنّ عدد الشهداء الأحياء الذين تمكّنوا بأعجوبةٍ من النجاة من أنياب الجزّار العثمانيّ يتناقص يوماً بعد يوم، ولكنّهم تمكّنوا من إمرار الشعلة إلى أولادهم وأحفادهم المطالبين باسترجاع كرامتهم الإنسانيّة وحقوقهم الوطنيّة المسلوبة من قبل الورثة الشرعيّين للعثمانيّين...
ماذا أيضاً عن الشهادات الحيّة المنسوبة إلى عرب البادية السوريّة الشرفاء الذين لم يتوانوا حينها عن مدّ يد العون لإخوانهم في الإنسانيّة، فبادروا إلى أخذ كثيرين من الشهداء الأحياء الأرمن، وبالأخصّ الأيتام منهم، تحت حماهم ورعايتهم المشكورة؟ هؤلاء الأبطال المعروفون بشيمهم الفروسيّة، قاموا بدورهم، بتربية أجيالهم الصاعدة وتنشئتها بضرورة احترام أحقّيّة القضيّة الأرمنيّة والشهادة للحقّ.
إنّ الإنسانيّة جمعاء، والأرمن المنتشرين بفعل الإبادة الأرمنيّة في أربع أصقاع الدنيا خاصّة، ممتنّون لعشرات الدول التي تجرّأت تدريجاً، واعترفت بالإبادة الأرمنيّة. وبعض هذه الدول الشريفة، وعلى رأسها فرنسا، أصدرت قوانين ملزمةٍ وواضحةٍ بنصوصها تتخطّى حدود التوصيات المعنويّة وتعاقب كلّ من يتنكّر للحقائق التاريخيّة ويتعرّض لقدسيّة حقّ الشهداء الأرمن.
في هذا السياق أيضاً، تندرج الأغلبيّة الساحقة من الولايات الأميركيّة التي بادرت منفردةً إلى الاعتراف بالإبادة الأرمنيّة. إلّا أنّ الإدارة الأميركيّة الاتّحاديّة لا تزال ترضخ لابتزاز تركيا ومناوراتها السياسيّة والاقتصاديّة.
إنّ القول المأثور «لا يموت حقٌّ وراءه مطالبٌ» ينطبق بامتيازٍ في حالة القضيّة الأرمنيّة. فكيف يمكنني ألّا أكون وفيّاً لوصيّة جدّي الذي نجا بأعجوبةٍ، وهو في عمر السنتين؟ أو كيف لي أن أستخفّ بالأوجاع الرّهيبة التي ظلّت والدة جدّتي تتعذّب بها إلى أن توفيت بعمر التسعة وتسعين عاماً، هذه الأوجاع المتأتّية من كونها كانت، وهي في عمر السابعة عشرة، قد دفنت بمعيّة أخيها الأصغر والدتهما المغمى عليها
بأيديهما اليافعتين في تراب البادية السّوريّة، ظنّاً منهما أنّها كانت قد أسلمت روحها، فيما ظلّت، طيلة حياتها المعمّرة، تبحث عن أمّها كلّما صادفت امرأةً تشبهها، متأمّلةً إمكان أن تكون أمّها قد تمكّنت من استعادة قواها وأخرجت نفسها من تحت التراب.
سارو تونتيان