تونس | تلاشت آمال عائلات المعتقلين السياسيين بالإفراج عنهم، أمام امتناع السلطة القضائية عن إطلاق سراحهم، على الرغم من انقضاء الآجال القانونية للاحتفاظ بهم. إلا أن العائلات لا تزال تخوض حراكاً واسعاً، آملة أن تحشد الرأي العام حولها، وتنجح في الضغط على السلطة التنفيذية لإجبارها على تلبية مطالبها. وحتى قبل التوجه إلى استقبال المعتقلين أمام السجن، مع انتهاء أجل الاحتفاظ بالمعتقل خيام التركي، ليل الجمعة الماضي، وانتهائه بالنسبة إلى بقية المعتقلين، السبت، قالت «تنسيقية عائلات المعتقلين» إنها تتوقع «حدوث الأسوأ» بمواصلة الاحتجاز، غير أنها لم تتوقع منع أفرادها من الاقتراب من السجن. ووفق ما نقلته الناشطة السياسية والمعتقلة المفرج عنها منذ شهر حزيران الماضي في القضية ذاتها، شيماء عيسى، فإن «التنسيقية» وجدت حشداً أمنياً هائلاً في انتظارها عند مدخل منطقة المرناقية التي يقع السجن فيها، ولم يُسمح لأفرادها بالاقتراب من أسواره أصلاً. هكذا، بدا قرار مواصلة احتجاز المعتقلين تحدياً واضحاً للعرف القضائي السائد، علماً أن المؤسستين القضائية والسجنية واجهتا إلحاح نشطاء المجتمع المدني والحقوقيين على الحصول على تفسيرات حول قرارهما، بالصمت التام، من دون الإدلاء، حتى، بأي «بدع قانونية» لإقناع الرأي العام بصوابيته. ولا يُقرأ هذا الصمت، بحسب مراقبين، بمعزل عن تصريحات المقرّبين من القصر الرئاسي والمتطوعين لترويج البروباغندا الخاصة به؛ فقبيل انقضاء الآجال القانونية ببضع ساعات، وبينما كانت عائلات المحتجزين ورفاقهم يتهيأون للتوجه إلى سجن المرناقية من أجل استقبال خيام التركي، باعتباره أول المعتقلين والذي كان من المفترض أن يكون أول المُفرج عنهم، فوجئ الرأي العام بتصريحات لأحد المحللين المقربين من القصر تؤكد أن لا إفراج في الأفق. لا بل سخرت تعليقات «جوقة القصر» ممّن ينتظرون ذلك، وهو ما أشّر إلى أن هؤلاء كانوا يعلمون مسبقاً بصدور قرار سياسي يخالف العرف القضائي.
لم تطرق «التنسيقية» باب «الاتحاد التونسي للشغل» رغم تعالي الأصوات بوجوب إحراج قياداته كي تعلن عن موقفها


وعلى خط مواز، لم تعد الرواية القائلة إن رموزاً وطنية على غرار عصام الشابي وغازي الشواشي وعبد الحميد الجلاصي، الذين لم تُعرف عنهم قط علاقات مع أطراف خارجية ولطالما كان خطابهم مرشداً للوعي السياسي التونسي بعيداً عن العصبية الحزبية، عملاء ومتواطئون مع دوائر أجنبية هدفها إسقاط النظام، تلقى رواجاً؛ إذ اتضح من خلال تعمّد مواصلة احتجازهم أنهم خصوم سياسيون تستميت السلطة في إبعادهم عن الساحة السياسية بأي ثمن. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة نقلت الصراع مع منظومة الرئيس قيس سعيد إلى مستوى أعلى وأخطر، وخصوصاً مع تسرب محاضر الاستماع إلى المتهمين والشهود، والتي كشفت خلوّ الملف من أي إثباتات مادية للجريمة، باستثناء بعض في «واتسآب»، جلّها يندرج في إطار تحليل الواقع السياسي خلال أحداث 25 تموز 2021 التي أعلن خلالها سعيد حل البرلمان وتعليق الحياة السياسية. واللافت، أيضاً، أن عنصر الإدانة في هذا الملف يتمثّل في الحديث الخاص بين السياسيين الموقوفين عن ضرورة إثناء سعيد عن تنفيذ خطوات ما وصفوه بـ«الانقلاب الخطير»، فيما تحدّث بعضهم عن «ضرورة إسقاط نظامه في أقرب الآجال»، علماً أن قادة الأحزاب المذكورين سبق أن ذكروا ذلك في منصات إعلامية بما فيها الإعلام الرسمي، بما يجعل محاسبتهم على هذه الأفعال التي تندرج ضمن نشاطاتهم، غير منطقية.
وعلاوة على ذلك، وحسبما صرّحت به «هيئة الدفاع» عن المعتقلين، اتُّهم القادة الموقوفون بالتواطؤ مع سفراء الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا في تونس خلال تلك الفترة، علماً أن هؤلاء شخصيات دبلوماسية، تعلم الدولة بكل تحركاتهم، وواصلت التعامل معهم حتى بعد بدء التحقيقات ولم تعلنهم شخصيات غير مرغوب فيها، ولم تطلب إنهاء خدماتهم أو سحبهم من أراضيها. واعتبرت «هيئة الدفاع»، التي أصرّت على كشف جوانب من الملف رغم القرار القضائي منع التداول في القضية، أن المعتقلين مستهدفون لآرائهم ومواقفهم لا لوجود شبهة تآمر حقيقية.
كذلك، سعت «التنسيقية» إلى حشد المناصرة الحقوقية إزاء قضية المعتقلين، فشاركت في تحركات مع «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» و«المركز المتوسطي لحقوق الإنسان»، وعدد من الجمعيات من بينها «جمعية القضاة التونسيين». إلا أنها لم تطرق باب «الاتحاد العام التونسي للشغل» رغم تعالي الأصوات داخل عائلات بعض الموقوفين بوجوب إحراج قيادات «الاتحاد» كي تعلن موقفها من هذه التطورات، إذ تبدي فئة من الحقوقيين استغرابها صمت المنظمة النقابية، علماً أن «الاتحاد» تلقّى طلباً صريحاً من الموقوفين، في رسالة منهم لمناسبة الذكرى الـ78 لتأسيسه، طالبوه فيها بموقف قوي تجاه القضية، لكنها وجدت منه تفاعلاً ضعيفاً اكتفى بمناشدة السلطة بتسريع التحقيقات والإفراج عن المعتقلين.