الجزائر | أجرى الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، تعديلاً وزارياً شمل وزير الخارجية رمطان لعمامرة الذي حلّ مكانه أحمد عطاف، ووزير التجارة كمال رزيق الذي استُبدل به الطيب زيتوني. وبالإضافة إلى هذَين، تضمّن التعديل السادس من نوعه منذ تعيين الحكومة الحالية برئاسة أيمن بن عبد الرحمن في حزيران 2021، إزاحة جمال كسالي من وزارة المالية وتعيين عبد العزيز فايد بدلاً منه، وتعويض وزير الشباب والرياضة عبد الرزاق سبقاق بعبد الرحمن حماد، ووزير النقل كمال بلجود بيوسف شرفة، وإقالة وزير السياحة ياسين حمادي الذي حلّ مكانه مختار ديدوش، ووزيرة البيئة سامية موالفي التي خلَفتْها فايزة دحلب، فيما تمّ دمْج وزارتَين تحت مسمّى وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني، واستُبدل بوزير الصناعة أحمد زغدار، علي عون، الذي كان على رأس وزارة الصناعة الصيدلانية. كذلك، عُيّن طه دربال وزيراً للريّ، بعدما كانت هذه الأخيرة مدمَجة مع وزارة الأشغال العامة. وكان تبّون مهّد لتلك التغييرات بمقال له نشرتْه وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، جاء فيه أنه «غاضب حقاً وغير راضٍ عن وتيرة معالجة الحكومة للعديد من الملفّات». وورد في المقال المعنون بـ«التماطل إزاء توفير بعض المنتوجات واستمرار بعض الممارسات: رئيس الجمهورية يشدّد اللهجة»، أن «الآجال الطويلة والأرقام التقريبية (غير الدقيقة) والقرارات التي تُحدث الاختلال والارتباك على يوميّات المواطنين وعلى المتعاملين الاقتصاديين قد أثارت حفيظة الرئيس»، وأن «المواطن خطّ أحمر ورفاهيته أولوية الأولويات».على أن إقالة لعمامرة، والتي تُعدّ الأبرز من بين جملة التعديلات، يُستبعد أن يكون مردّها السبب المذكور، بالنظر إلى أن الرجل هو أحد الوزراء القلائل الذين نالوا شبه إجماع في الوسط السياسي على فاعليّتهم، وذلك بسبب نشاطه المكثّف منذ تولّيه شؤون الوزارة. إذ شهدت عُهدته احتضان الجزائر فعّاليات إقليمية عدّة، أهمّها القمة العربية، والندوة التاسعة رفيعة المستوى حول السلم والأمن في أفريقيا. كما استطاع التعامل مع حالة الاحتقان التي عرفتْها علاقات بلاده مع جارتها الغربية، والتوتّر الذي شاب صِلاتها بإسبانيا ثمّ فرنسا، فضلاً عن تمثيله الجزائر على نحو «طيّب» في العديد من المحافل. أيضاً، حاز لعمامرة رضىً شعبياً، بالنظر إلى خطابه الذي يتميّز بالعقلانية ويبتعد عن المغالاة. وعلى رغم كلّ ما تَقدّم، فضلاً عن اقتراب احتضان الجزائر لاجتماع مصغَّر لدول «حركة عدم الانحياز»، والقمّة السابعة للدول المُصدِّرة للغاز، جرى تطيير لعمامرة من منصبه، وهو ما أدرجه متابعون في إطار «التموقع تمهيداً للاستحقاق الرئاسي المقبل»؛ إذ قد يكون الوزير المُقال أحد المرشَّحين لمنافسة تبون على منصب الرئاسة، سواءً في إطار توافُق بين مختلف الأطراف المشارِكة في صناعة القرار، أو حتى في إطار الصراع بينها. ولعلّ ما أشّر مبكراً إلى نيّة إزاحة لعمامرة من المشهد، غيابه أخيراً عن استقبال مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في زيارة الأخير للجزائر، بالإضافة إلى غيابه عن مناسبات دولية أخرى.
الأسماء التي تتصدّر المشهد السياسي الحالي، عجِز أصحابها عن اكتساب أيّ رصيد يؤهّلهم لمنافسة تبون


وما يعزّز القراءة المتقدّمة، أن الأسماء التي تتصدّر المشهد السياسي الحالي، عجِز أصحابها عن اكتساب أيّ رصيد يؤهّلهم لمنافسة تبون، سواءً كانوا محسوبين على نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أو ممّن برزوا عقب انطلاق الحراك الشعبي. وهو عجزٌ يُعزى في جانب منه إلى أداء السلطة، التي تعمّدت التضييق على النشاط السياسي والإعلامي، ولاحقت عدّة نشطاء سياسيين ومعارضين وصحافيين وإعلاميين، وجمّدت نشاط أحزاب، وعلّقت قنوات خاصة، بما جعل من ممارسة المعارضة أمراً عسيراً حتى بالنسبة إلى المتمرّسين في العمل السياسي، وبما حوّل لعمامرة، أيضاً، إلى الورقة البديلة الوحيدة.
أمّا بالنسبة إلى وزارة التجارة، فقد استحضر الجزائريون تصريح الوزير الأسبق، بختي بلعايب، في عام 2016، عن مدى تغوّل لوبيّات أقوى منه، منعتْه حتى من إغلاق مطعم بسبب تقارير عن مدى رداءته. ودائماً ما يتجدّد الحديث عن هذه «اللوبيّات» لدى ارتفاع الأسعار أو ندرة السلع، فيما يراها آخرون مجرّد شماعة يعلّق عليها المسؤولون فشلهم. ورَفع وزير التجارة المُقال، كمال رزيق، منذ تولّيه حقيبته، شعار محاربة تلك الشخصيات التجارية وحتى السياسية المتحكّمة بالسوق، معلِناً جملة وعود أبرزها الكشف عن أسباب ندرة حليب الأكياس، وتوفير جميع المواد الغذائية واسعة الاستهلاك والتي تختفي في رفوف المحلّات التجارية بين الحين والآخر، خاصة المدعومة منها من مِثل الزيت والسميد وغيرهما. لكن وعوده لم تَجد سبيلها إلى التنفيذ سريعاً، وهو ما أدّى إلى اهتزاز المكانة الشعبية لرزيق، الذي، على رغم ذلك، لم يمتنع تبون عن تجديد الثقة به خلال تعديلات وزارية عدّة. لكن يبدو أن رصيد الأستاذ الجامعي قد نفد تماماً أخيراً لدى صانع القرار الجزائري، خاصة بعدما دان البرلمان، للمرّة الأولى في تاريخه، في 24 شباط الماضي، الوزير المذكور، واتّهمه بتجاوز حدود اللياقة والأعراف الدستورية في التعامل مع النواب، على خلفيّة ملاسنة بينه وبين النائب عبد الوهاب يعقوبي، طالب خلالها الأوّل الثاني بسحب كلامه، قائلاً إنه لا يسمح بتوجيه اتّهامات إليه. وتأتي إقالة رزيق، والتي يراها البعض متأخّرة، بالتوازي مع استعداد الحكومة للعمل على توفير المواد الغذائية خلال شهر رمضان وبأسعار مقبولة، تجنّباً لأيّ هزّات في الجبهة الاجتماعية.
أمّا وزارة الريّ، فقد فسّر متابعون تغيير شاغلها، باهتمام الرئيس الجزائري بتوفير الماء في ظلّ تعاظم تحدّيات المناخ وشحّ الأمطار. وكان تبون أمَر، في كانون الثاني الماضي، بـ«استنفار مصالح الداخلية والموارد المائية والفلاحة والصناعة والبيئة، على أوسع نطاق، لإنشاء مخطّط سريع يهدف إلى سنّ سياسة جديدة لاقتصاد المياه وطنياً، والحفاظ على الثروة المائية الجوفية»، وكذلك بـ«إعادة تحريك وبعْث كلّ المشاريع المتوقّفة لمحطّات تصفية المياه المستعمَلة عبر الولايات، وإدخالها قيد الاستغلال، لاستخدامها في الريّ الفلاحي عوض المياه الجوفية». وبالنسبة إلى قطاع الصناعة، فإن تحريك عجلة الاستثمار يبقى التحدّي الأبرز للسلطة الحالية؛ إذ على رغم سنِّ قوانين لاستقطاب المستثمرين، إلّا أن إقناع أصحاب رؤوس الأموال الجزائريين والأجانب بضخّ أموالهم في البلاد، يظلّ مهمّة كبرى وملحّة، فيما ملفّ تصنيع السيّارات محلّياً يُعدّ من بين أبرز الملفّات الجاري الاشتغال عليها، لا سيما بعد منْع الاستيراد لسنوات ووسط تَوّجه لافتتاح مصانع إنتاج جديدة لهذه السلعة في الجزائر.