الخيار الثالث
وفي ذكرى اغتيال الزعيم النقابي، فرحات حشاد، المُصادف يوم 4 كانون الأول، أعلن الطبوبي أن الاتحاد اختار المُضيّ في «خيار ثالث» مغاير لما قبل 25 تموز ولما بعده، منتقداً أداء سعيّد الذي اعتبر أنه لم يقدّم شيئاً منذ إعلانه التدابير الاستثنائية. وقال: «تونس لا تُبنى بالفردية بل في إطار تشاركي». وأضاف مخاطباً الأحزاب السياسية والمنظّمات الوطنية: «القطار انطلق، ولن نبقى مكتوفي الأيدي... انطلقنا منذ فترة في خيارنا الثالث، ومرحباً بِمضن يريد الانضمام». واعتبر الطبوبي أن الاتحاد كان ذا «نظرة استباقية» بتشكيله لجاناً للنظر في الإصلاحات اللازمة، مُعلِناً عزم المنظمة على توسيع التشاور «للدعوة للقاء وطنيّ يثمر قوّة لا يستهان بها بدعم من شخصيات وطنية ثابتة»، وللتأسيس لتوجّه وطني ثالث عنوانه «الإنقاذ في كنف السيادة الوطنية». وهو ما يُفهم منه أن الاتحاد قرّر المُضيّ في حوار وطني لا مكان للرئاسة فيه، بعد أن كان قد دعاها طويلاً إلى الأخذ بزمام مبادرة مماثلة.
وفي السياق، أوضح الأمين العام المساعد في الاتحاد، سامي الطاهري، أن المنطلق في مبادرة المنظّمة هو تاريخ 25 تموز، لافتاً، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن التونسيّين «يرفضون العودة إلى ما قبل هذا التاريخ، لكنهم يَعتبرون أن من حقّهم معرفة الطريق الذي ستسير نحوه البلاد، ومن حقّهم مساءلة أيّ مسؤول بشأن ما يعتزم القيام به في إطار مسؤولياته». وبسؤاله عن ما إذا كانت رئاسة الجمهورية مُقصاةً من هذه المبادرة، أجاب الطاهري بأنه «إذا قبلت الرئاسة المشاركة في هذا الحوار فمرحباً بها... لكنها إلى الآن لم تصدر موقفاً».
سيدعو الاتحاد إلى لقاء وطني يؤسّس لتوجّه ثالث عنوانه الإنقاذ
تدهور العلاقة
في البداية، لم يكن جليّاً أن العلاقة بين «الاتحاد العام التونسي للشغل»، والرئيس قيس سعيّد، آيلة إلى هذا التوتر. ففي 25 تموز، سويعات قليلة قبل إعلان سعيد إجراءاته الاستثنائية وتجميد عمل البرلمان، اعتبر أمين عام الاتحاد، نور الدين الطبوبي، أن «مؤسسات الدولة تفكّكت.. وأن المنظومة الحاكمة انتهى وقتها». بعدها، دأب الرئيس على القول إنه في معركة ضارية مع «المنظومة الفاسدة التي تسعى إلى اختراق الدولة»، ممّا أعطى انطباعاً أوّلياً بأن الطرفين على توافق ضمني. لكن الاتحاد كان منذ البداية حذراً في موقفه المعلَن من إجراءات سعيد. وفي 8 آب الماضي، دعا الطبوبي للعودة إلى الشعب وتنظيم انتخابات مبكرة، مؤكداً أنه لن تكون هناك «هدنة اجتماعية»، مضيفاً: «خلال الثورة في 2011، انهار النظام كله، لكنه لم يَنْهر اليوم... رأس السلطة منتخَب مباشرة من الشعب، وهو مَن سيقود البلاد ويقدّم لنا رؤيته... وعلى ضوء ذلك، سيبني الاتحاد موقفه». بعدها، تتالت تصريحات قيادات المنظّمة المطالِبة بوضع خارطة طريق تشارُكية، وتحديد آجال لإنهاء الوضع الاستثنائي، من دون أن تلقى مطالبها أيّ صدى لدى الرئيس، الذي واصل تجاهل كلّ دعوات الحوار.
وقبل أسبوع، أوضح الطبوبي أن «الموقف الرافض للمساندة المطلَقة لرئيس الجمهورية، هو موقف مؤسسات الاتحاد بالتشاور مع مختلف هياكلها، وبناءً على تقييم تشاركي للوضع، وليس موقفاً شخصياً من أمين عام المنظمة أو من قياداتها تجاه السلطة التنفيذية». وأشار إلى أن الرئاسة التونسية تريد «مساندة مطلقة وعمياء»، مُعلّقاً بالقول: «نحن لا نمنح صكّاً على بياض لأيٍّ كان، ولا وجود في الاتحاد لرجل آمرٍ ناهٍ... نحن نستشير مؤسّساتنا ثم نقرّر». واستنكر أمين عام الاتحاد «تطلب السلطة التنفيذية هذه المساندة، من دون أن تكشف عن توجّهاتها في حُكم البلاد، وعن مرجعيّتها وخياراتها»، متسائلاً: «هل نساند شخصاً يسير في الظلام؟». كما ذكّر الطبوبي بموقف الاتحاد المبدئي من استقلالية القضاء والرافض لمحاكمة المدنيّين أمام محاكم عسكرية، مؤكّداً: «هنا بلد حريات وبلد عدل، لذا فنحن رافضون للظلم أيّاً كان مأتاه، وبغضّ النظر عن ضحيّته».
الاتحاد يُهاجم الحكومة
في الخامس عشر من تشرين الثاني، التقى نور الدين الطبوبي برئيسة الحكومة المُعيّنة من قِبَل الرئيس، نجلاء بودن، وأعلن بعد اللقاء أن الحكومة أكدت التزامها بالتعهّدات الاجتماعية السابقة، بما فيها الاتفاقيات المُوقّعة مع المنظمة. وأضاف أن بودن تقبّلت مقترح الاتحاد المتعلّق برفع الحدّ الأدنى للأجور، وكذلك النظر في ملفّ المؤسّسات الحكومية. حينها، بدا أن العلاقة بين المنظّمة والحكومة واعدة بالانسجام والتفاهم، خاصة أن الأساس في العلاقة بين الاتحاد والحكومات المتعاقبة منذ الانتفاضة، كان دائماً المفاوضات الاجتماعية وتنفيذ الاتفاقات. لكن أياماً بعدها، تَغيّر موقف المنظّمة، واحتدّ خطاب قياداتها من الحكومة الجديدة وخططها. فمنذ أيام قليلة، حذّر الاتحاد، في تصريحات متقاطعة لقياداته، من التراجع عن الاتفاقات أو عن توقيع الزيادة في أجور القطاع الخاص، والتي من المنتظر أن تُقرّ خلال هذا الأسبوع. كما هاجم الطبوبي رئيسة الحكومة، معتبراً أنها بـ«لا صلاحيات ولا قرار، وتطلب الرجوع إلى رئيس الجمهورية في كلّ مسألة تُناقش معها»، وفق تعبيره. ووصفها في هذا السياق بـ«المسكينة»، ثمّ اعتذر لاحقاً عن ذلك.
في انتظار «عيد الثورة»
ينتظر الشارع التونسي تاريخ الـ17 من كانون الأول، الذي أعلنه الرئيس قيس سعيّد يوم «عيد الثورة»، بدلاً من تاريخ 14 كانون الثاني. ويعود هذا الترقّب إلى تواتر الأنباء عن نيّة سعيد إعلان جملة من القرارات الهامةّ والمصيرية في التاريخ المذكور. ويأتي ذلك فيما من المتوقّع أن يعلن «الاتحاد العام التونسي للشغل»، في الأيام القليلة المقبلة، تفاصيل «خياره الثالث»، لتكون الأسابيع القادمة حافلة بالأحداث والتغيّرات في المشهد التونسي.