الجزائر | لم يكن سكان حي كريتلي في ضواحي البليدة (40 كلم غربي العاصمة)، الذي زارته «الأخبار» أمس، مدركين بعد لما جرى في قريتهم الواقعة في قلب سهل المتيجة، فقد أصبحوا على انفجار ضخم هزّ المكان، وسرعان ما تبينوا أنه حادث تحطم طائرة عسكرية في أحد الحقول التي لا تبتعد سوى أمتار قليلة عن منازلهم «ما كاد أن يُحوّل الكارثة إلى مجزرة حقيقية، لولا لطف القضاء» كما يقول أحد سكان الحي.وفق السكان، فقد تزامن الحادث، الذي وقع صباح أول من أمس، مع هبوب رياح قوية كانت تتمايل لها الأشجار الكبيرة، ما عقّد مهمة الطائرة في العودة أدراجها إلى المطار، وخاصة أنّ «محركها الأيمن اشتعل». وبعدما لم يجد الطيار حيلة في التحكم بالطائرة «أليوشين» الروسية الصنع، وفق رواية من عاينوا الحادث، يبدو أنّه «لم يكن له خيار في الثواني القليلة التي سبقت التحطم سوى توجيهها نحو الحقل المحاذي للمطار، حتى يبتعد عن المنازل المكتظة التي كان يحلّق فوقها».
«فطنة قائد الطائرة» الذي قضى مثل غيره في الحادث، حوّلته إلى بطل قومي في الجزائر، حيث تداول الآلاف صوره على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أنّه «يُمثِّل فعلاً شرف العسكري» الذي يُفكِّر في حماية مواطنيه حتى في لحظات النهاية الأخيرة، ومنهم من طالب بتكريمه ورفع رتبته العسكرية «كما تحتفي الدول العريقة بأبطالها».
ولعلّ مما زاد في توحيد الجزائريين على المستوى الشعبي وتضامنهم بعد الحادث، الغضب الجماعي إزاء تعاطي عدد من وسائل الإعلام المغربية مع تحطم الطائرة. فبدل المعالجة الباحثة عن المعلومة وأسباب وقوع الحادث وتفاصيله، راحت بعض القنوات والمواقع المغربية تجعل من اهتمامها الأول الحديث عن «لاجئين ينتمون إلى الصحراء الغربية كانوا على متن الطائرة» بطريقة تُعبِّر عن «كمٍّ هائل من التشفي»، كما علّق البعض، فيما وصف صحافيون جزائريون الأمر بأنّه «سقطة تبعدُ تماماً عن أخلاقيات المهنة». وصباح أمس، تناولت بعض الصحف الجزائرية باستغراب كيف أنّ الملك المغربي محمد السادس، «كان الوحيد من بين رؤساء وقادة الدول العربية وحتى الغربية» ممن لم يراسلوا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، علماً بأنّه عاد وقدّم «واجب العزاء» في رسالة نُشرت مساء أمس.
هذا التصرف المغربي يأتي في سياق توترات دبلوماسية شديدة شهدها البلدان في المرحلة الأخيرة على خلفية الصحراء الغربية. فالمغرب يتهم الجزائر بالوقوف وراء «جبهة البوليساريو» المُطالبة بإجراء استفتاء لتقرير المصير (وهذا ما لا تنفيه الجزائر)، وبتمويل «الجبهة» واستخدامها كـ«فزاعة حرب»، بينما تُصرُّ الجزائر على موقفها الرافض لأن تُقحَم كطرف في القضية «التي تعني المغرب وجبهة البوليساريو فقط». وجدير بالذكر أنّه في سياق تلك التوترات الدبلوماسية، نقلت صحف مغربية قبل ثلاثة أيام عن «مصادر موثوقة» أنّ «السعودية وعدت المغرب باستعدادها لإعلان البوليساريو منظمة إرهابية».
على صعيد آخر، دفعت هذه الكارثة الأفدح التي تصيب البلاد في السنوات الأخيرة، بالبعض إلى طرح تساؤلات عن أسباب الحادث، علماً بأن لا أحد يجد إجابات في ظل تكتم السلطات عن إعطاء أي تفاصيل قبل استكمال التحقيق. وعُلِم من مصادر أمنية أنّ الصندوق الأسود الخاص بالطائرة عُثِر عليه «في حالة جيدة».
الخبير في الشؤون العسكرية، أكرم خريّف، يبدي اعتقاده بأنّ أسباب الحادث «لا تخرج عن 3 فرضيات». الأولى، هي الحمولة الزائدة إذ كان 257 راكباً على متن الطائرة، لكنه «يبقى احتمالاً ضعيفاً جداً لأنّ الطائرة بإمكانها نقل ما يعادل 40 طناً»، ما يفوق بكثير الوزن الذي كانت عليه. أما الفرضية الثانية، فهي «أن يكون المحرّك الثالث الذي اشتعلت فيه النيران، قد ابتلع طائراً أو قطعة حديدية من الأرض أدت الى اشتعاله»، فيما تقوم الفرضية الثالثة على «وجود عطب بالمحرك أدى إلى انفجاره واحتراق باقي الأجزاء الحساسة في الطائرة التي جعلت من أمر التحكم بها من الطيار مستحيلة»، وبالتالي تستبعد هذه الفرضيات احتمال تعرض الطائرة لهجوم أو لعمل أمني.
برغم أن خريّف يستبعد تماماً فرضية الإهمال وعدم صيانة طائرات النقل العسكرية التي تتعرض لحوادث، فإنّه يوضح من جهة أخرى أنّ «عتاد النقل العسكري في الجزائر (حوالى 40 طائرة) قديم جداً ولم يتم تجديده برغم صفقات السلاح الضخمة» التي أبرمتها الجزائر في السنوات الأخيرة، وهذا «ما يتطلب مراجعة للاستراتيجية العسكرية في هذا المجال».
وكانت الجزائر قد سجّلت في السنوات العشرين الماضية، نحو 20 حادثاً لتحطم طائرات عسكرية، وعرفت سنة 2014 الذروة بتحطم أربع طائرات. ولم يظهر من وزارة الدفاع التي يقودها وفق الدستور الرئيس بوتفليقة، أي تقارير لإطلاع الرأي العام حول أسباب تكرر هذه الحوادث، واكتفت في إشارة بسيطة قبل 3 سنوات، رداً على من يطالبها بذلك، بالتأكيد أن مثل هذه الحوادث تحدث في كل دول العالم!