دمشق | يتواصل السباق الماراتوني المحموم بين الفضائيات الإخبارية العربية والعالمية في تغطيتها المستمرة لأحداث الحرب السورية. وجهات نظر متناقضة، وقراءات مختلفة للأحداث الدموية المتسارعة ذاتها، تقدمها وتفصّلها وسائل الإعلام المختلفة. لكن كل واحدة تفعل ذلك على طريقتها بما يخدم سياسة الجهة الداعمة والمموّلة لها، الخاضعة لطبيعة علاقتها مع النظام السوري، أو مع المعارضة السورية بأطيافها المختلفة، بما فيها المسلحة.
مع ذلك، فالكلّ يتفق اليوم على تفصيل واحد هو الأهم: الحرب السورية تدخل عامها الثالث، مع استمرار حمّام الدم والمجازر والدمار، في ظل غياب إشارات واضحة في الأفق، تؤكد وقف آلة القتل والدمار التي تنتج الأرامل والأيتام من أبناء الشعب السوري الأعزل على مدار الساعة!
شهد العام الثاني من عمر الحرب السورية، سلسلة من الضربات، طاولت ماكينة الإعلام السوري الرسمي والخاص الخارج من عباءته بهدف إسكاته وإخراجه من دائرة الصراع، بعدما استطاع القائمون عليه، تدارك الكثير من الهفوات والتقصير في التعاطي مع الأحداث المتسارعة التي حاولوا التقليل من حجمها، أو التعتيم على بعض تفاصيلها. تدمير كامل لمبنى قناة «الإخبارية السورية»، واختطاف وقتل عدد من كوادر الإعلام الرسمي وصحافييه على أيدي عناصر من المعارضة المسلحة، وتفجير إرهابي طاول مبنى الإذاعة والتلفزيون السوري. قرار تعسفي اتفق عليه وزراء الخارجية العرب صدر عن جامعة الدول العربية في الشهر التاسع من العام الماضي، فرض حجب بث القنوات الفضائية السورية الرسمية والخاصة. لكن أصحاب القرار في الإعلام السوري، تجاوزوا سريعاً مجمل هذه الضربات، واستمر بث القنوات السورية على ترددات جديدة حجزت لها على أقمار صناعية روسية وإيرانية، واستطاعت قناة «الدنيا» الفضائية العودة إلى متابعيها باسم جديد هو «سما» وبالمضمون نفسه.
استمرت المعركة الإعلامية، وسباق كشف الكذب الذي تحاول تسويقه والمتاجرة به «القنوات المضللة والداعمة للمؤامرة على البلاد» مثل «الجزيرة» و«العربية». لكن لم يخلُ خطاب الإعلام الرسمي من هفوات ومطبات بالجملة، قد تلخصها حكاية صهيب شعيب الشاهد المتعدد المواهب الذي تصدرت حكايته أخيراً عناوين كبريات الصحف العالمية، بعدما تكرر ظهوره عشرات المرات، على شاشات الإعلام الوطني والخاص على حد سواء، في أمكان وأحداث مختلفة، بصفة شاهد عيان عفوي! سرعان ما أدركت الدول وأطراف الصراع المناهضة للنظام السوري، ضرورة إيجاد قنوات فضائية جديدة، تخدم سياستها وتؤيد مواقفها. هكذا، أطلقت فضائية «سوريا الشعب» التي تقوم سياستها على بث تقارير ومقابلات على مدار الساعة، مع سكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري. يعدّ هذه التقارير ويقدمها مراسل القناة أمجد رسلان الذي يصول ويجول في قرى ومدن محافظتي إدلب وحلب. بينما تختص فضائية «السوري الحر» بعرض مقاطع مصوّرة، تظهر عمليات «الجيش الحر» ضد قوات الجيش السوري النظامي، مع أصوات التكبير للعناصر المسلحين الذين يشكلون خلفية دائمة، مع ترديدهم «ما رميت إذ رميت، لكن الله رمى» بين الحين والآخر! ويجري مراسلها في الشمال السوري أبو رائد الحلبي في برنامجه «بطل من بلادي» جملة لقاءات وحوارات مع القادة العسكريين الميدانيين تشابه في طريقة إخراجها وتقديمها ـــ من حيث الشكل والمضمون، وطبيعة الخطاب ـــ لقاءات أسامة بن لادن زعيم تنظيم «القاعدة» السابق! بدورهم، يحاول القائمون على فضائية «سوريا الغد» تقديم خطاب أكثر ديناميكية ومهنية من سابقاتها. جملة من البرامج الحوارية والتحليلية تقدم من داخل استوديوات القناة، لكل منها هدف وطبيعة مختلفة عن الآخر. لكن مجمل محطات الإعلام «الثوري» حديثة العهد، تتفق في ما بينها على تقديم خطاب ديني واضح، يتعدى في الكثير من اللقاءات والبرامج والحوارات، المنهجية التي تتبناها «جبهة النصرة» الجهادية التكفيرية! تجاهل واضح تتعامل معه جملة هذه القنوات في تغطية التفجيرات الإرهابية التي ذهب ضحيتها مئات المدنيين الأبرياء في مجمل المدن والمناطق السورية. وإن اكترثت بها، فستكون الاتهامات جاهزة ومعدة سلفاً لأجهزة أمن النظام السوري، حتى لو أعلنت إحدى كتائب التنظيمات الإسلامية الجهادية التكفيرية مسؤوليتها عنها! تحريض طائفي ديني يبث على أثير مجمل فضائيات الإعلام «الثوري»، يستمر على مدار الساعة، ويستثمر كل ما يتاح له من إمكانات، حتى براءة الطفولة التي تحوّلت إلى إحدى الأدوات الإعلامية الرخيصة، تكشف عن حقيقة الخطاب الإعلامي الجديد وطبيعته. يستقبل مراسل «سوريا الشعب» في فقرة يومية أطفالاً من الشمال السوري، يلقون أمام الكاميرا أناشيد وأدعية دينية، وصيحات تدعو إلى الأخذ بالثأر والقتل والانتقام، وهم يرتدون عصبة «جبهة النصرة» على جباههم، وسط تكبيرات وتهليلات أهاليهم والكبار من خلفهم!