حدّثت شركة ميتا أخيراً منصة إنستغرام بحيث صار التطبيق يحجب المحتوى السياسي بشكل تلقائي، ما لم يدخل المستخدم إلى الإعدادات ويفعّل عرض هذا المحتوى. في الشكل، أثار التحديث الجدل حول من أعطى ميتا سلطة أن تحدد هي ما يوّد المستخدمون مشاهدته والتفاعل معه على المنصة، وفي المضمون الأمر ليس غريباً على آل زاكربيرغ الذين نجدهم دائماً في طليعة المنبطحين أمام الطلبات الصهيونية لحظر المحتوى المناصر لفلسطين.لن يتأثر المستخدمون الذين يرغبون الاستمرار في رؤية المنشورات السياسية من الحسابات التي يتابعونها بالفعل. ومع ذلك، يجب على أولئك الذين يريدون أن تقترح الخوارزميات «مصادر محتوى سياسي جديدة» أن يبدّلوا يدويّاً إعداد «المحتوى السياسي» إلى خيار «إظهار». ويعني ذلك أيضاً أن الحسابات التي تعرض محتوى سياسياً، ستتجاهلها خوارزميات إنستغرام وتمنعها من الوصول إلى مستخدمين جدد، بالتالي يبقى المستخدمون المتابعون للمواضيع السياسية ضمن فقاعة سردية واحدة لا تخرقها منصات الأخبار الجديدة التي نشأت مع تطور الوعي السياسي العالمي خصوصاً لدى الشباب حول قضية الشعب الفلسطيني. تغيير يأتي في الوقت الذي تواصل فيه ميتا التعرض للانتقادات حول اعتدال المحتوى واتهامات بقمع الخطاب السياسي، خصوصاً من النشطاء الفلسطينيين خلال حرب الإبادة الإسرائيلية والتجويع الجاري في غزة. وسبق أن انتقد تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» نهاية عام 2023 الشركة بسبب «فرض رقابة منهجية على المحتوى المتعلق بفلسطين». وقد أثار هذا التغيير غضباً بين مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي والمجموعات الناشطة، خصوصاً الأصوات المؤيدة للفلسطينيين التي تؤكد وجود رقابة عليها في ميتا. ولجأ كثيرون إلى منصة إكس للتعبير عن مخاوفهم من أن التحديث يقمع الخطاب السياسي. وقال أحد المستخدمين: «إنهم يريدون منا أن ننشر ونتفاعل مع صور الجبال والعطلات والصور الجميلة والزهور، لا أن نتحدث عن فلسطين والعنصرية والقمع والاحتلال».
تقول ميتا إنّ التحديث يتعلق بـ «القوانين أو الانتخابات أو الموضوعات الاجتماعية». وحاولت الشركة الأكثر «خبثاً» من بين جميع المنصات، تأطير التحديث كمحاولة لجعل تطبيقاتها «تجربة جذّابة» لجميع المستخدمين مع تجنّب التعرّض غير المرغوب فيه للموضوعات السياسية الاستقطابية. وذكرت ميتا في شباط (فبراير) الماضي: «لا نريد أن نوصي بشكل استباقي المحتوى السياسي من الحسابات التي لا تتابعها». يعود السبب في ذلك أصلاً، إلى إحساس قوي لدى ميتا بخطورة تطبيق مشاركة الفيديو تيك توك، الذي سلب الشركة مستخدميها الشباب، أمر لم يعد خافياً على أحد. وحاولت ميتا زيادة نسبة محتوى الفيديو علي حساب المحتوى الإخباري، فنجد مثلاً أن نسبة الإحالة من فايسبوك إلى المواقع الإلكترونية الخاصة بالصحف والشبكات الإعلامية العالمية، ضربتها ميتا إلى أقل من النصف. وصار من النادر أن يُظهر التايملاين الخاص بالمستخدمين روابطاً لمواقع إخبارية. والمستغرب هنا، اعتبار ميتا أن الناس لا يريدون معرفة ما يجري حول العالم، في حين أن تلك المواضيع تلقى رواجاً هائلاً على تيك توك. لكن بمعزل عن ذلك كله، صار واضحاً أن ميتا تعاني من خلل في هوية منصاتها. فمرة تأتي بمنصة جديدة لمنافسة إكس مثل ثريدز، ومرة أخرى تغرق في محاولات ترقيع فاشلة للخوارزميات والمنصات.
انطلق فايسبوك عام 2004 مع فكرة وصل الناس ببعضهم. كان انعكاساً للعولمة والانفتاح الاقتصادي والثقافي. إلا أنه تحوّل تدريجاً إلى مجموعة منصات تضع المستخدمين داخل فقاعات مغلقة تحجب عنهم «الآخر»، في حين أن تيك توك، ومنصة إكس إلى حدٍ ما، جعلوا العالم ساحةً رقمية واحدة. فمستخدم تلك المنصات يمكنه متابعة ما يجري في المجتمعات الأخرى بشكل أفضل من أي وسيلة إعلامية أخرى، مما سمح بإيصال الأفكار والمعلومات والتقارب بين المجتمعات بشكل ملحوظ. ورغم محاولة ميتا ربط التحديث باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ودول أخرى (أكثر من 4 مليارات شخص سيصوتون حول العالم في العام الحالي)، إلا أن ذلك لا يعطيها الحق في فرض حجب المحتوى السياسي من دون إبلاغ المستخدمين بشكل مباشر، أو من دون أن يُظهر إنستغرام لهم ذلك وسؤالهم عما يريدوه. هذا تدخل واضح ورقابة غير مسبوقة في العالم الرقمي.