يامن الحجلي وعلي وجيه، كاتبان سوريان برزا في السنوات الأخيرة على ساحة الدراما السورية، يتميز عملهما باستكشاف الجوانب الاجتماعية والنفسية للمجتمع السوري في فترة الانهيار الاقتصادي والأزمات المتعددة التي شهدتها البلاد. من خلال أعمالهما، يحاولان تقديم صورة واقعية عن حياة الطبقات الفقيرة والمهمّشة في المجتمع السوري مثل مجتمع مكبّ القمامة، وسوق الخضار وأطفال مجهولي الأهل وغيرها. يقدّمان قصصاً تتناول قضايا مثل الفقر والبطالة والظلم الاجتماعي. يعكس عملهما سؤالاً جدياً بالبحث عن جذور المشكلات الاجتماعية وانعكاساتها على سلوك الأفراد.لكن رغم تصويرهما تفاصيل واقعية معاصرة لحال الكثير من المجتمعات الصغيرة في سوريا اليوم، إلا أنه يمكن طرح سؤال في عمق صورة المجتمع التي يقدمانها ومدى صحتها وشموليتها، والأهم: ماذا تريد أن تقول؟ هل تذكر الأسباب أم أنها تُظهر النتائج فقط؟ هل تتناول تشريحاً فعلياً لبنية المجتمعات أم تقدم توصيفاً فقط؟
شارك الكاتبان في هذا السباق الرمضاني في عملين: الأول «ولاد بديعة» (إخراج رشا شربتجي)، والثاني «مال القبّان» (إخراج سيف الدين سبيعي) الذي كان يُفترض عرضه في رمضان الماضي، لكنّه تأجل عرضه لأسباب إنتاجية.
القبان هو الميزان الكبير الذي يُستخدم في سوق الخضار، حيث تدور غالبية أحداث المسلسل. يتناول الأخير صراعات رؤوس الأموال في سوق الجبر للخضار، وانعكاساتها على العاملين فيه. يدور الصراع الأساسي بين شخصية نعمان الزير (بسام كوسا) وأبو عمار الجبر (نجاح سفكوني)، حيث نرى دخول نعمان وهو في بطن والدته عدوية إلى السوق في ستينيات القرن العشرين، عندما كان أبو عمار تاجراً شاباً ذا نفوذ ومال وسلطة، ويُعجب بعدوية التي تبدأ بالعمل عند أبو عمار، لكن ما إن تطلق زوجها القديم وتأخذ حصتها من ميراث أهلها، تشتري دكاناً في السوق وتنضم إلى فئة التجار مع ابنها الذي أصبح شاباً كارهاً والدته لاعتقاده بأنها كانت على علاقة بأبي عمار الجبر، وتمتد صراعات الماضي إلى الحاضر في 2023.
يتفرّع سياق السرد من سوق الخضار إلى حكاية ثانية هي حكاية قاضي التحقيق فارس (خالد القيش) وزوجته رغد (سلاف فواخرجي) المعتقلة السياسية التي كان يعتقد أنها متوفية في السجن. لهذا تزوج من صديقتها ابنة نعمان الزير لكي ترعى ابنته الصغيرة التي لا تعرف والدتها الحقيقية، ولكن ما إن تخرج زوجته من السجن حتى ينقلب كل عالمه.
يناقش المسلسل علاقات السلطة الموجودة في أسواق دمشق ومدى التنافس الذي يخلق مراحل كبيرة من الأذى بسبب المال، وتورّط التجار مع أجهزة الدولة بسبب تقاطع المصالح، وأثر الفقر والانهيار الاقتصادي على الناس مثل شخصية جاويش الذي تتوفى زوجته وهو لا يملك ثمن الكفن، أو شخصية حنين التي تبتلعها حياة الليل والدعارة بعد وفاة زوجها وعدم عثورها على عمل. كما يناقش الفساد القضائي، والحياة الليلية وتدنّي المشهد الفني، وسوق الربا والمافيات.
يناقش المسلسل علاقات السلطة في أسواق دمشق وأثر الفقر والانهيار الاقتصادي على الناس


يتألّف الخط السردي للمسلسل من خطين زمنيين: الأول هو الثابت في الحاضر خلال 2023، والثاني متنقل بين أحداث من الماضي مثل حصار الثمانينيات وأثرها على تجارة الخضار في دمشق وسقوط بغداد وانفتاح السوق آنذاك بعد دخول رؤوس أموال غيّرت الواقع الاقتصادي في سوريا، وصولاً إلى أحداث 2011، وبداية التظاهرات في سوريا. تساعدنا طريقة السرد في فهم حاضر الشخصيات ومصائرها المعاصرة، مثل كيفية تكوين ثروة نعمان الزير، أو كيفية انخراط رغد في الحراك في سوريا، إلا أنها لا تبدو ضرورية على صعيد الشكل والتصاعد الدرامي، فقد كان يكفي سرد الصراع في حاضر الشخصيات كي نفهم جذورها في الماضي، كما أصبحت تقنية السرد هذه متكرّرة في أعمال علي وجيه ويامن الحجلي إلى درجة فقدت معناها.
مع محاولة المسلسل العودة إلى أحداث تاريخية مفصلية في القرن الماضي أو أحداث من التاريخ القريب، بهدف خلق معطيات الحاضر الاقتصادي في دمشق وأثره على المجتمع اليوم والتطرّق إلى مواضيع حسّاسة مثل الثورة في سوريا، والاعتماد على الكثير من تفاصيل الراهن مثل الطاقة الشمسية وسعر الدولار وممارسات التشبيح والرفض الحكومي لمعتقلي الرأي، إلا أنّ آلية مناقشة هذه الأحداث لم تدخل في تقديم تشريح فعلي لأسباب ونتائج حال المجتمع اليوم كما يفترض بها أن تفعل. هذه العودة إلى التاريخ لا تتعدى تقنية كتابة امتلكت مقوّمات التشويق وعناصر القصة الجيدة الخالية من بُعد تشريحي واكتفت ببُعد توصيفي. كما يجب الذكر أنّ العمل مثقل بالأداء الجيّد يحتوي على فضاء بصري استطاع التقاط الجمال في مظاهر القبح، إلا أنه مع وصول الحكاية إلى الحلقة 12، تبقى القصة قاصرة عن تشريح مجتمعي تاريخي وتقدّم نماذج غير مكتملة عن الحاضر ومعطياته وفضاءاته التي حاول المسلسل تغطيتها.

* «مال القبان»: على SBC (س: 20:30)، وLTV (س: 23:00)، و«ART حكايات» (س: 23:30)، و«شاهد»

* «ولاد بديعة»: س:12:00 على «mbc دراما» ـــ منصة «شاهد»