منذ إعادة اكتشاف موقع الحمّام الجديد الأثري في صيدا وترميمه، أنعشت «مؤسسة شرقي للإنماء والابتكار الثقافي» المكان وحوّلته إلى ملتقى للفعاليات الثقافية والفنية على مدار السنة. بدءاً من مساء اليوم الجمعة، تطلق المؤسسة مجموعة من الأمسيات الفنية الموسيقية التي تتماشى مع روحانية هذا الشهر، مستضيفة مجموعة من الموسيقيين اللافتين. في السنوات السابقة، كانت مؤسسة «شرقي» تكتفي بتقديم بعض الأنشطة خلال شهر رمضان. لكن السنة الماضية، ارتأى المنظّمون إعداد برنامج موسيقي متكامل شبيه بما يقدَّم في أماكن عدة في بيروت وخارجها خلال هذه المدة. هكذا، أطلقوا على هذه الفعاليات عنوان «علّوا البيارق غنّوا للعيد».
الافتتاح مع الفنانة الفلسطينية سلوى جرادات

تقدّم «شرقي» بالتالي هذا العام أيضاً برنامجاً متكاملاً من الأمسيات الموسيقية التي تضمّ الطرب والتراث والصوفي. يحدّثنا سعيد باشو، رئيس «شرقي» عن البرنامج وأنشطة المؤسسة، قائلاً: «سنقدّم ستّ أمسيات هذه السنة تبدأ في 22 آذار وتستمرّ حتى نهايته. تتماشى الفكرة مع كيفية استعمالنا لموقع الحمّام الجديد في صيدا. على مدار السنة، ننظّم أنشطة فنية وثقافية وتراثية وسياحية في صيدا. وبالطبع يكون نشاطنا مكثّفاً خلال شهر رمضان. تنطلق سلسلة حفلات رمضان الجمعة مع الفنانة الفلسطينية سلوى جرادات التي ختمنا معها السنة الماضية، ونفتتح معها الحدث هذا العام». لهذا الخيار دلالة رمزية في ظلّ الظروف المأساوية التي تعيشها غزة والفلسطينيون. اختار المنظّمون الافتتاح معها كنوع من تصريح وتسجيل موقف. ستكون البداية إذاً مع الطرب والتراث. وجرادات ليست مؤدية فقط، بل باحثة في التراث الموسيقي العربي، تقدّم الطرب القديم وأغنيات من مصر ولبنان وفلسطين بطريقتها الخاصة وبأسلوبها المختلف، برفقة فرقتها. ستحمل الحفلة عنوان «سبل عيونه» تتبعها في 23 الجاري أمسية طربية سهرة لفرقة «عود بلا حدود» التي تضمّ كلاً من سمير نصر الدين (عود وتلحين) وجاك استيفان (تشيللو) وبهاء ضو (إيقاع). في اليوم التالي، تحيي الأمسية دلين جبور التي سبق أن شاركت مراراً في أنشطة المؤسسة وفرقتها «سهرة» من التراث الصوفي. كما يضمّ البرنامج أمسية لفرقة «تجلّي صوفي» تحت عنوان «تجلّي الروح» وحفلة لنعيم الأسمر وفرقته. أما الختام، فمع زياد الأحمدية وفرقته. ليس الأحمدية مشاركاً فقط، بل هو من المنظّمين أيضاً. وكان من المهم بالنسبة إلى باشو اللجوء إليه في ما يتعلّق بإعداد الأمسيات والبرامج واختيار الفنانين بما أنه فنان يعرف بقية الموسيقيين وبينهم ثقة متبادلة، وبالتالي اختيار البرامج يكون أسهل. تُقام الحفلات كلها في موقع الحمّام الجديد الأثري الذي يعود عمره إلى 300 عام تقريباً. ظلّ هذا المكان مقفلاً ومهجوراً على مدى سبعين سنة. قبل ثلاث سنوات، أعاد القيّمون على «شرقي» اكتشافه وإعادته إلى الحياة واستمرّوا في اتّباع التوجه نفسه منذ ذلك الحين. يتمثّل التحدي الأكبر هذا العام في إقناع الناس من خارج المدينة في حضور الأمسيات وفقاً لباشو الذي يضيف: «يأتي أشخاص من كل لبنان إلى الحفلات في العادة.
يعود عمر موقع الحمّام الأثري إلى 300 عام تقريباً

سبعون في المئة منهم من خارج صيدا. تبعد المدينة ستين كيلومتراً عن الحدود. والتحدي كبير بالنسبة إلينا. نعمل مع الفنانين والداعمين للأمسيات منذ شهرين لمعرفة ما الذي علينا أن نفعله وكيف. كان في إمكاننا ألا نفعل شيئاً ولكننا لم نطرح هذا الخيار حتى. فكلّ ما نقدّمه يتبع خطاً معيّناً ولا يشبه ما يُقدَّم في ملهى ليلي مثلاً، وهذا واضح إذا نظرنا إلى أسماء الفنانين المشاركين في الأمسيات. أردنا الاستمرار في المشروع لتكون هناك مقاومة من نوع ثانٍ. ما زلنا مستمرين وموجودين ولا يزال هناك ثفافة وناس يريدون الاستماع إلى أمور معيّنة بغض النظر عن الواقع المتردّي من حولنا». حتى الآن تعطي الحجوزات بحسب باشو مؤشراً إيجابياً عن استجابة الناس مع الأمسيات المقترَحة، ويقرّ بأنّه يحاول جاهداً تكثيف الحضور وتأكيد أن الأمور هادئة في صيدا وليس هناك من أمر مقلق. وقد استعادت المؤسسة أنشطتها الفنية في مطلع شباط (فبراير) الماضي بعد توقّفها لمدة منذ أحداث غزة وحتى مدة الأعياد.
بالنسبة إلى البرنامج، يشرح باشو أنّ معيار اختيار الفنانين المشاركين خلال رمضان بالذات يختلف عن العادة. على مدار السنة، تقدّم «شرقي» حفلات متنوعة من أنماط موسيقية مختلفة وفرقاً تأتي من أنحاء العالم لتقدّم الجاز والبوب والطرب وغيرها. أما في رمضان، فالبرنامج محصور بالأنماط الأكثر روحانية التي تلائم أجواء هذا الشهر. في بعض السهرات، أعدّ الفنانون برنامجاً خاصاً بالحدث، كما يقدّم بعضهم الآخر البرنامج نفسه في أماكن عدّة خلال هذا الشهر. هناك حرية تُعطى للموسيقيين في تقديم ما شاؤوا، ولكن بطبيعة الحال هناك دائماً عودة إلى المنظّمين لتحديد البرنامج النهائي الذي يتشوّق لاكتشافه متذوّقو هذا النوع من السهرات.

* «علّوا البيارق غنّوا للعيد»: بدءاً من اليوم حتى 31 آذار (مارس) ــ «حمّام الجديد» (صيدا القديمة ـ جنوب لبنان) ــ للاستعلام: 81/282848