مع وصول الشهر الرمضاني، يمكن القول إنّنا سنشاهد دراما أصيلة أخيراً بدلاً من دراما تقطيع الوقت التركية، التي لم يكن آخرها مسلسل «الخائن» (إنتاج MBC). قدّم لنا الأخير مقارنات خاسرة من البداية كباقي النماذج المستنسخة: «عروس بيروت» بديلاً لـ «عروس إسطنبول» و«ستيلتو» بدلاً من «جرائم صغيرة»، و«الثمن» عن «ويبقى الحب»، و«كريستال» عن «حرب الورود». معظم المسلسلات التركية أعلاه مقتبسة أساساً عن مسلسلات أميركية بإسقاطات تركية ناجحة. اللافت أنّ العربية كانت بعيدة كل البعد من التعريب وماضية في الاستتراك حتى في درجات تلوين الصورة، حتى تصبح نسخةً عن مثيلتها التركية. بدوره، يتّكل «الخائن» ـــ الذي اختتم عرضه أخيراً على «شاهد» ـــ على حبكة جيدة لحدوتة الخيانة المعاد تكرارها درامياً. لكنه في نسخته التركية أكثر تماسكاً من العربية ليس لخلل في أداء الممثلين فقط، بخاصة أنّ بعضهم بدا وجهه جامداً غير قادر على «ارتكاب» كل تلك الأحاسيس التي يتطلبها العمل الدرامي بسبب عمليات الشد والنفخ والتجميل، وإنما لكون العمل برمته قدّم لنا عملاً مستعاراً بمشاعر مستعارة مثل «ستيلتو» وغيره. علماً أنّه أدّت بطولته سلافة معمار بدور أسيل الطبيبة التي تكتشف خيانة زوجها سيف (قيس الشيخ نجيب) لها مع «تيا» التي تصغره بعدة أعوام وتلعب دورها مرام علي. مشكلة المسلسلات التركية هذه لا تتعلق بالكاتب خلف الحدوتة، بخاصة أن الكاتبة لبنى مشلح قدمت أعمالاً درامية مهمة مثل: «هومي هون» و«أهل الغرام» وغيرهما، لكنّ هذه الصيغة و«الفورمولا» الدرامية التي تحمل الوجوه نفسها المتناوبة على أداء الأدوار (كاريس بشار، وديمة قندلفت، وسلافة معمار، وباميلا الكيك، وريتا حرب)، لم تنجح بالمختصر كمثيلتها المسلسلات المحلية الرمضانية رغم البذخ في إنتاجها وتصويرها بين إسطنبول وبيروت. ورغم مرور سنوات على انطلاقها، لكنها لم تنجح في الانتشار كما هو متوقع رغم كل التسويق المرافق على صفحات السوشال ميديا التفاعلية، إذ بقيت مجرد حكايات مستعارة. ويأتي على خطى ما سبق «الخائن» الذي يستعير النص، وهذا ليس عيبه، فالاستعارة وتدوير الحكايات أمر منتشر في أكثر الروايات عالمية وفي الموسيقى والدراما، ولكن فات الجهة المشرفة على النص أنّ إسقاطات العلمانية التركية لا تتم بهذه الطريقة عربياً.
اعتمد «الخائن» على حدوتة الخيانة المعاد تكرارها

لعل النسخة العربية تخلق تفرداً عن التركية هنا، بخاصة أنّ ثمة كتّاباً متمرسين يتولون المهمة، مع الأخذ في الحسبان أنّ قضايا حقوق المرأة وتهديد الزوج سيف بحضانة الطفل هو مقطع تركي محض، وليس عربياً حكماً! فالمرأة هنا لا تملك حتى منح جنسيتها لأبنائها إن تزوجت بأجنبي أقلّه!
أما المقارنة مع تمثيل الممثلين الأتراك، فهو يرجح كفة النسخة التركية، ونحن لا نشكك في قدرات قيس الشيخ نجيب (بدور سيف) لكن النسخة التركية «فولكان» (يؤديه جانير جندوروك) كانت أكثر انسجاماً وشراً وأنانية من نجيب الطيب الواقع في حيرة بين امرأتين الذي يفصح قليلاً عن أنانيته كطفل كبير. أما مرام علي (تيا) فأداؤها كان الأفضل والأكثر جنوناً لفتاة شقراء مدللة وفاسدة اعتادت الحصول على كل ما تريد، لكنّها بعد ضربات عدة تدرك خطأها. ويبدو الإخراج في نسخته العربية أقرب إلى الدبلجة من الإنتاج الدرامي، وخصوصاً مشاهد أندريه سكاف بشخصية مروان التي حملت أداء مفتعلاً وحواراً سيئاً. بالمختصر المسلسل الذي أخرجه أمير أندر، وأدّت بطولته سلاف معمار، ومرام علي، وقيس الشيخ نجيب، وآخرون هو بمثابة نسخة مدبلجة معرّبة خالية تقريباً من التفرد الفنّي، ما خلا ومضات من أداء سلافة معمار ومرام علي.