إنه الحدث الأهم لربما عبر الوطن/ العالم العربي والإسلامي: إنها فلسطين، وقضيتها، وخصوصاً مع حدثٍ كبير بهذا الحجم كـ «طوفان القدس». اختارت بعض محطات التلفزة اللبنانية دفن رأسها في الرمال، على اعتبار أنّ لا شأن لها بما يحدث، وأكملت كما أشارت تغريدة للنائب اللبناني اللواء جميل السيد حين أشار بالحرف: «العالم كله متسمِّر على محطات التلفزة، كل القنوات العربية والأجنبية من دون استثناء عدّلت برامجها نحو البث المباشر لعملية المقاومة من غزّة حتى هذه اللحظة، إلا معظم المحطات اللبنانية الرئيسية التي تتابع اليوم برامجها العادية من الطبخ إلى المسلسلات!! أي كلمة سِرّ هي تلك التي منعت تلك المحطات من نقل هذا الحدث التاريخي اليوم؟». إذا هي «كلمة سرّ» بحسب السيد، وبحسب كثيرين آخرين غيره، أشاروا إلى أنَّ ما يحدث كبيرٌ وجلل، لكن مع ذلك، غابت الصورة ربما ضمن منطق revolution will not be televised.
من الرسمات التي انتشرت على منصة أكس

غطت قنوات محور المقاومة الثلاث المعروفة الحدث. كعادتها، خصّصت «المنار» كل بثها أول من أمس في خدمة الحدث، فهذا «أُس» وجودها، وسببه وأصله: أن تغطي المقاومة، أحداثها، فكيف إذا كان الأمر مرتبطاً بتحرير فلسطين. الـ «أن. بي. أن» فتحت البث بشكلٍ مشابه، وركّزت على متابعين ومداخلين يشاركون فرحة الناس بما حدث ويحدث. بدورها، شكّلت «الميادين» إحدى أبرز قنوات المحور وأقواها وتحديداً في تغطية الحدث الفلسطيني. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنَّ قوة هذه المحطة، وأهميتها وشهرتها نالتها من أدائها خلال تغطية الحدث الفلسطيني، إذ إنها ربما من الفضائيات القليلة في الوطن العربي التي لا يختلف اثنان على مهارتها ومهنيتها وحتى مقدرتها في تغطية هذا الحدث، وخصوصاً بعد التشكيك في مصداقية «الجزيرة» ومواقفها المحايدة في كثيرٍ من الأحداث المهمة، والأهم لربما فتح المحطة القطرية الباب مشرعاً أمام الصهاينة (ضباطاً وإعلاميين) للظهور على شاشتها. ولربما كان آخر «خزعبلاتها» (أي الجزيرة)، كما أشارت إحدى مذيعاتها: «قمنا بتظليل وجوه أسرى الجنود الإسرائيليين، حرصاً على الجانب الأخلاقي والقانوني والمهني».
في إطارٍ موازٍ، كانت قنوات التلفزة اللبنانية الأخرى تنام في «اللا لا لاند»: لقد طبّقت فعلياً نظرية «أصلاً ماذا يحدث» التي أرخ لها روبرت مردوخ الإعلامي الأسترالي/ الأميركي الشهير، حين سئل حول «تغطيته» لخبر لا يريد تغطيته، ليجيب بهدوء: «هذا الحدث لم يحدث أصلاً»، مبتعداً عن مدرسة «سي. أن. أن» الشهيرة في تغطية الخبر ولكن عبر «شرحه» و«توضيحه» للمشاهدين بطريقتها الخاصة. كان الحدث الفلسطيني حاضراً بقوة، حينما أكملت «أم. تي. في» اللبنانية بثها للأغنيات الراقصة وذات الـTempo السريع والمرتفع كما لو أن شيئاً لا يحدث، ثم عادت وأكملت برمجتها المعتادة، فغاصت في أحد برامجها السياسية في الحديث عن الانتخابات الرئاسية اللبنانية وغيرها من المواضيع المحلية. بدورها، كانت «أو. تي. في» تبث مسلسلاً لبنانياً -للمفارقة يدعى «وجع الروح»- وعلى ما يبدو أنها كذلك لم تصلها أحداثُ غزة والعملية الكبيرة هناك. لذلك أبقت على عملها محايداً وبثها كما هو من دون أي تغيير. «أل. بي. سي.» عملت بالمنطق العملاني نفسه: بثت وثائقيات عن الحيوانات البحرية، ومسلسلاً مصرياً، وسواهما. لم يكن هناك حدثٌ عربي يستحق البث أو النقل أو التعليق عليه بالنسبة إلى مشاهديها. «الجديد»، من جهتها، أمسكت العصا من المنتصف، غطت الخبر الفلسطيني ولكن في الوقت نفسه قاربت الوضع اللبناني الداخلي وركزت عليه أكثر من خلال الحديث عن الانتخابات الرئاسية. إمساك العصا من المنتصف خلال قضية مركزية رئيسية، كان ليبدو ناجحاً في ظرفٍ آخر، لكن مع حدث تاريخي، يعتبر «غلطة شاطرٍ» من «الجديد» بالتأكيد.