تمنع «الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال» (AAP) الرضّع الذين لم يتجاوزوا الـ 18 شهراً من عمرهم من التعرّض للشاشات، وتنصح بمدة محدودة جداً (لا تتعدّى الـ 30 دقيقة) مع إشراف لمن تراوح أعمارهم بين 18 و24 شهراً، وبفترة لا تتخطى الساعة الواحدة مع إشراف بالنسبة إلى من تراوح أعمارهم بين سنتين وأربع سنوات. هذا ما تؤكدّه الاختصاصية في علم نفس الأطفال والمعالجة النفسية، عُلا خضر، التي تنصح الأهل بانتقاء مادة مناسبة لصغارهم يتمكّنون من خلالها من تطوير مهاراتهم، من دون التسبب بأضرار سلوكية أو نفسية، أو الدفع نحو هجر الألعاب «الكلاسيكية» واختزال مهاراتهم الاجتماعية والتواصل. من هنا، تقع على عاتق الأهل الذين أنجبوا أطفالاً في «عالم الديجيتال» مسؤولية انتقاء محتوى احترافي ومدروس يلائم ويدعم سلوك الطفل، بعيداً عن الترندات والمواد الجاهزة والسريعة. هذه المعايير الدقيقة في ظلّ النقص الذي يعانيه العالم الرقمي في هذا الإطار، تَنبّه لها بعض صنّاع المحتوى حول العالم. وما النجاح الساحق الذي تحققه الأميركية ريتشيل غريفين أكورسو، المعروفة على يوتيوب باسم Ms. Rachel، خلال السنوات القليلة الماضية، إلا دليلاً دامغاً على هذا. فالصغار ينهلون من المحتوى التفاعلي والتعليمي والمنوّع الذي تقدّمه، فيما الأهالي يعتبرونها مصدر المساندة التربوي الأبرز بالنسبة إليهم في التربية، و«يستأمنونها» على فلذات أكبادهم.

لبنانياً، لاحظت مصمّمة الغرافيكس والرسامة اللبنانية، مايا زنقول (1986)، نقصاً في المواد العربية المخصّصة للأطفال خلال فترة حملها بطفلها الأوّل عام 2016، ما فتح أبواب النقاش مع زوجها الموسيقي طوني يميّن، حول حاجات الأطفال الترفيهية والتربوية: إلى ماذا سيستمع الطفل؟ ماذا سيشاهد؟ ما الذي سيهتمّ بمتابعته في سنواته الأولى؟ كيف نقدّم له هذه المواد وهل ستتشابه مع ذكريات طفولتنا؟ وبعد الكثير من الأخذ والردّ، وُلد مشروع قناة «ليلا تي في»، وكانت زنقول شريكة أساسية فيه.
عام 2017، أبصرت قناة «ليلا تي في» النور على يوتيوب، لتقدّم، وللمرّة الأولى، محتوىً ترفيهياً وتعليمياً مخصّصاً للأطفال باللهجة اللبنانية العامية، بأسلوب «احترافي وبمستوى مميّز إن كان لناحية التسجيل أو التصميم أو الإخراج أو التحريك أو الغناء أو الألوان...»، وفق ما تقول زنقول لـ«الأخبار».
وتشير مايا إلى أنّ الهدف الأساسي من المشروع هو تقديم محتوى لبناني يحيي أغاني الأطفال القديمة التي نشأت عليها الأجيال السابقة من جهة، وإتاحة منصّة تسمح بإنشاء وعرض محتوى جديد مدعّم من جهة أخرى، إلى جانب تأمين وصول كل المواد إلى جمهور واسع بأسلوب لافت بصرياً وعالي الجودة.
فضلاً عن ذلك، أرادت زنقول وشركاؤها، ومن خلال فريق من المصممين والرسامين اللبنانيين، أن تُقدّم غرافيكس وتصاميم تحاكي المجتمع اللبناني وبيئته وعمرانه وحتى خصائص شعبه: «وهو نفتقده خلال مشاهدتنا الرسوم المتحرّكة الأجنبية»، تؤكّد.
تنقسم المواد المنشورة إلى ثلاث مجموعات أساسية: مواد قديمة تم تجديدها، وأخرى أجنبية شهيرة جرى العمل على «لبنَنَتها»، وإنتاجات خاصة لـ«ليلا تي في». اللافت أنّ المواد القديمة والكلاسيكية أُعيد إحياؤها بشكل قانوني، مع تسجيل نقيّ تولّاه يمّين، وبتصاميم غرافيكس حديثة ومبتكرة بإشراف زنقول. من الأغنيات التي حصلت على نسخ حديثة، نذكر: «عندي بيسي»، و«طيري طيري يا عصفورة»، «طلع الضو عالواوي»، وغيرها.

مايا زنقول

أما النوع الثاني من المواد، أي الأغنيات المستوحاة من أخرى غربية شهيرة، فيشمل مثلاً Twinkle Twinkle Little Star التي استحالت «ضوّي ضوّي يا نجمات».
وفي ما يتعلّق بالمحتوى الأصلي، فهو منوّع ما بين أغانٍ جديدة ومواد للتعليم المبطّن وقصص سردية. النوع الأوّل غالبيّته من كتابة وألحان طوني يمّين، مع مشاركة بعض الأهالي أحياناً.
تأخذ المواد التعليمية أشكالاً عدّة. فهي إمّا برامج كـ«غريب عجيب مع نانسي» الذي يُعرّف الأطفال على العلوم بأسلوب سهل ومُحبّب وبأدوات متوافرة في المنازل، أو فيديوات على شاكلة مجموعة «يلّا نرسم» لتعليم أصول الرسم وتشجيع الصغار على الإبداع، أو حتى من خلال أغنيات هادفة كتلك المخصّصة لتعليم الأرقام وأسماء الخضر والفواكه والألوان وأحرف الأبجدية وأسماء أعضاء الجسم. وفي الآونة الأخيرة، خرجت «ليلا تي في» من الإطار «الافتراضي» إلى الواقع، بواسطة منتجات مختلفة تُطلب عبر الموقع الإلكتروني، من بينها دفتر رسم وتلوين، ولعبة الفزّورة (لتقوية الذاكرة).
التحضير لسلسلة تقدّم محتوى محكيّاً من بطولة شخصيات القناة


وهناك حصّة أيضاً لقيم ومبادئ أساسية، مثل كيفية العناية بالنظافة الشخصية من خلال تنظيف الأسنان والاستحمام، والاهتمام بالغذاء عبر فهم أهمية الطعام لجسم الإنسان.
إضافةً إلى ذلك، تشجّع القناة الأطفال على النشاط الجسدي عبر محتوى راقص يدفعهم إلى الحركة، كمجموعة فيديوات «يلّا نرقص»، وأغنيات «الهوّارة» و«يا ولاد الحارة» و«عيد الميلاد» وغيرها.
وفي مطلع السنة الحالية، أبصرت «قصص ليلا» بالعربي النور لتنفرد بتقديم محتوى جديد من الفيديوات التي ترتكز على سرد قصص باللهجة اللبنانية، مع الاستعانة بأشكال مصوّرة.
تعتبر زنقول أنّ «قصص ليلا» هي بمثابة قناة شقيقة لـ«ليلا تي في»، تمثّل «تجربة جديدة» لم يسبق تقديمها، واعدةً بأنّها ستنتج موادّ بشكل دوري. ومن الإنتاجات الأخيرة، يمكنكم مشاهدة قصص شهيرة، من بينها «ليلى والذئب»، و«الفاصولياء السحرية»، و«هانسل وغريتل»، وغيرها من المتابعات المشوّقة التي تنمّي الخيال وحبّ الأدب.
تفخر زنقول بالأصداء الإيجابية التي رافقت التجربة منذ بدايتها، ما يدفع دائماً إلى تقديم مشاريع جديدة وتطوير المحتوى، إذ إنّ المشروع الذي بدأ من حاجة شخصية ودعماً للمحتوى اللبناني المخصص للأطفال، انتشر لاحقاً وبسرعة إلى العالم العربي، واللبنانيين المغتربين الذين يواجهون صعوبة في تعليم أطفالهم اللغة العربية واللهجة اللبنانية.
على جدول أعمال صاحبة شركة Wezank مشاريع عدّة، من ضمنها قناة خاصة لتعليم الرسم للأطفال دعماً للمواهب والإبداع والأفكار الخلاقة، إضافة إلى محتوى يحفّز على الرقص والحركة تماشياً مع أغاني القناة. أما المشروع الأكبر والذي تبدو مايا متحمّسة له كثيراً، فهو سلسلة خاصة من عالم «ليلا تي في»، قائمة على تقديم محتوى محكيّ وقصص سردية من بطولة شخصيات القناة، الذين سنتابع معهم مسلسلاً من حلقات عدّة.