لم تمر الذكرى الأولى لاغتيال الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة (2022ــــ 1971) في صمت في تونس، إذ أصدرت الصحافية المتخصصة في الشؤون الدولية آسيا العتروس كتاباً يوثّق هذه الجريمة التي استهدفت صوت «الشاهدة والشهيدة» كما جاء في كتاب «شيرين أبو عاقلة عروس جنين التي اغتالها الاحتلال» (دار خريف للنشر ــ تونس). العمل تصدّرته لوحة بورتريه للتشكيلي الفلسطيني مأمون الشايب وقدّمه الصحافي والأكاديمي في «جامعة بيرزيت» محمد دراغمة الذي شبّه الشهيدة بـ «باب العمود وبوابات الحرم الشريف والحائط الغربي وباب الرحمة والمصلى المرواني». وصفت آسيا العتروس الشهيدة شيرين بأنها أيقونة الصحافة الفلسطينية، فهي «صوت تعوّدنا على سماعه يأتينا من فلسطين، صوت عابر لكل الحدود، مخترق لكل الحواجز ليحدثنا عما يجري هناك في غفلة من العالم لأهلها وأطفالها ونسائها وشيبها وشبابها وأحلامها وبيوتها وأشجارها من ظلم الاحتلال». فاغتيال شيرين هدف إلى تغييب الشاهدة على جرائم الاحتلال. فرغم التحفظات على المنبر الذي كانت تقدّم من خلالها جرائم الاحتلال وهي قناة «الجزيرة»، إلا أنّ شيرين نجحت في نقل الصورة إلى كل العالم وقد وحّد اغتيالها الفلسطينيين وكانت جنازتها والاحتجاجات التي عمّت كل فلسطين بل حتّى المخيمات الفلسطينية في دول الجوار، ترجمة لهذه الروح التي حملتها شيرين أبو عاقلة التي اختارت مغادرة الولايات المتحدة الأميركية التي تحمل جنسيتها والعودة إلى فلسطين لتكون عنواناً آخر من عناوين الجرائم الصهيونية.
آسيا العتروس ذكّرت في كتابها أيضاً بالسجل الإجرامي لدولة الكيان الصهيوني في استهداف الأصوات التي تفضح الاحتلال مثل الناشطة الشهيدة راشيل خوري التي وقفت أمام الجرافات الإسرائيلية لمنع هدم بيوت الفلسطينيين ليتم دهسها بدم بارد في جريمة تابعها كل العالم. وتوقّفت أيضاً عند الجريمة التي تزامنت مع اغتيال الصحافية الشابة غفران وراسنة التي استهدفها الصهاينة بعد ساعات من اغتيال شيرين. وقد صحّ القول إن استهداف الصحافيين كان أمراً مدبراً ومخططاً له لترويع الصحافيين الذين يقفون بالمرصاد لقوّات الاحتلال والمستوطنين. كما عادت للتذكير بقائمة الصحافيين والكتّاب الذين اغتالهم الاحتلال على رأسهم الأديب والمناضل غسّان كنفاني الذي اغتاله الموساد في بيروت عام 1972 وكمال عدوان الذي اغتاله الموساد أيضاً في عام 1973 والسينمائي هاني جوهرية الذي استشهد عام 1976 بعد إصابته بقذيفة في جبال عين طورة أثناء التصوير في جريمة مشابهة لجريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة وغيرهم. تضمّن الكتاب ملحقاً لكل الذين اغتالهم الكيان الصهيوني من فلسطينيين وعرب ومتعاطفين مع القضية الفلسطينية وضمّ الملحق 84 شهيداً وفق ما دوّنه «مركز الإحصاء الفلسطيني» وجميعهم صحافيون أو كتّاب أو مسؤولون في دوائر الإعلام في التنظيمات والمنظمات الفلسطينية. وتؤكد هذه الوثيقة التي ذكّرتنا بها آسيا العتروس، أنّ الاغتيال يقع في صميم الاستراتيجية الصهيونية وليس حدثاً عابراً.