يستمرّ مسلسل انعدام المسؤولية المهنية والأخلاقية عند بعض الإعلام اللبناني، مهما كان تأثير ذلك الانعدام ضئيلاً. بعد الجريمة البشعة التي أودت بحياة منى الحمصي على يد طليقها في طرابلس، قامت وسائل إعلامية بنشر مقاطع فيديو للجريمة من دون تحذيرات أو تأثيرات تخفي المشاهد المزعجة التي قد تسبّب قلقاً نفسياً للبعض، منضمّةً في ذلك إلى صفحات مواقع التواصل المتفلّتة التي لا تخضع لأيّ رقابة ولا تلتزم بأيّ معايير.المثال الأبرز على ما سبق كان نشر صحيفة «النهار» على موقعها وصفحاتها على مواقع التواصل مقطعاً يوثّق لحظة حصول الجريمة بدم بارد ووقوع الضحية على الأرض، من دون اتّخاذ أيّ من الإجراءات المذكورة آنفاً. اكتفت «النهار» بوضع تحذير بسيط في تفاصيل المنشور، وهو في حالة إنستغرام مثلاً يظهر تحت المقطع وبخطّ صغير بالكاد يتنبّه له أحد خصوصاً مع وجود فيديو وفوقه عنوان بخطّ كبير. المضحك أنّ الصحيفة حرصت على عدم إبراز اسمَي الضحية والجاني، مكتفيةً بأحرفهما الأولى. هكذا، انهالت التعليقات التي أدانت بشدّة ما قامت به الصحيفة، ما دفع الأخيرة في النهاية إلى حذف المنشور وإعادة نشر الخبر مرفقاً بمقطع آخر يوثّق لحظة إلقاء القبض على الجاني من نقطة بعيدة نسبياً. كما أزالت المقطع الذي أثار الردود عن موقعها، لكن تركت عبارة «بالصور والفيديو» في العنوان نظراً لاحتواء الخبر على موادّ مصوّرة أخرى.
على ضفّة أخرى، نشرت صفحة «صوت كلّ لبنان» مقطعاً يوثّق لحظة إلقاء القبض على المجرم أيضاً، لكن عن قرب، فظهر ورأسه مضرّج بالدماء (وهو بكامل وعيه) لكن من دون أي تحذير أو ما شابه. صحيح أنّه خطأ «مقبول» إذ لا يجب التعاطف مع الجاني، لكنّه لا يبرَّر بما أنّ هناك أشخاصاً قد يتأثّرون بهكذا مشاهد. ولم يُحذف المنشور إذ لم يواجَه بانتقادات.
هناك صفحات إعلامية أخرى قامت بتصرّفات مماثلة، لا يمكن تبريرها ولا حتى بشحّ التمويل، إذ يمكن بكلّ سهولة الامتناع عن نشر مشاهد مزعجة، إلّا إذا كان الهدف استغلال دماء الضحية من أجل جمع بضع مشاهدات، وهذه أيضاً جريمة من نوع آخر. أمّا إذا كان الإصرار على نقل المقاطع، فهناك صفحات لوسائل إعلامية إقليمية وعربية نشرتها مع تحذيرات وإخفاء المظاهر المزعجة، ويمكن للصفحات اللبنانية بكلّ سهولة أيضاً الاقتباس عن تلك الوسائل.