كانت الطائرات الحربية تجوب سماء غزة، والمدافع تدك شرقها، غربها، جنوبها، وشمالها، بشكل مكثف وغير مسبوق، لا صوت يعلو على صوت الانفجارت المتتالية، ومحركات الطيران الحربي في سماء غزة، وبينما نحن على هذه الحال، نراقب، ونستمع لخطاب أبو عبيدة، خصوصاً جملته الأخيرة التي نقلت لغزة خبر أسر جندي إسرائيلي، لم يعد لكل الطيران الحربي، ولا لتلك المدافع التي تدك غزة، أي قيمة تُذكر. انطلق الناس إلى الشوارع مهللين، مكبرين، مشعلين الألعاب النارية، مطلقين الطلقات النارية في أجواء غزة.
شاؤول وأخوته

بعدما أعلنت المقاومة عن نجاحها في أسر الجندي الإسرائيلي، ذهب البعض إلى اختراع القصص الفيلمية حول هذا الانتصار ومن أجمل القصص التي سمعتها، أن المقاومة تفكر في إنتاج فيلم سينمائي أو درامي تحت عنوان «شاؤول وإخوته»، حالياً يتم تصوير المقاطع الانفرادية لشاؤول في الفيلم المتوقع، ريثما تأتي المقاومة بأخوته.

ليش ؟!

لم يبق من العائلة غيره، يبحث في كل مكان فوق الحطام، تحته، عن إخوته، أمه، أبيه، ألعابه، غرفته المتواضعة، سجادة الصلاة، يخاطب الرمل، والحجر، وبقايا البيت، لسان حاله يقول ليش؟
في البيت
كان يحتضن ابنته في صالة البيت، بينما يخيم الظلام على المكان ولا يسمع في الشجاعية غير صوت الانفجارات، وصراخ الناس المدنيين، ولا يُرى غير ألسنة من نار، ولا يشم غير رائحة البارود، كان يدفع الخوف بيده عن نفسه وعن ابنته، وقلبه معلق برحمة الله. وصلا بعد قذيفة مدفعية دكت البيت، إلى «مستشفى الشفاء» في غزة وهم على نفس الحالة أب يحتضن ابنته بين يديه وقلبه ما زال معلقاً برحمة الله.

أبي في البيت

لم يعرف ذلك الطفل كيف وصل إلى «مستشفى الشفاء الطبي»، هل جاء مع المُهجرين قسراً، أم في سيارة إسعاف، أم انتشله أحد الأبطال قبل أن تهوى عليه الأنقاض. لم يعرف كيف، ولا يعنه أن يعرف، كل ما تتحدث إليه، يقول لك أبي ما زال في البيت، أبي ما زال البيت، هل استشهد، هل ما زال تحت الأنقاض حياً، هل تبخر كما الحجارة لا أحد يعرف الفاجعة كبيرة جداً، والطفل فاجعته اثنتان.

ملائكة تمشي على الأرض

إن الذي شاهد العدوان على منطقة الشجاعية، من المؤكد أنه سيصاب بالجنون، نظراً إلى فظاعة وشدة الفاجعة، فالقصف لم يكُ قصفاُ، بل كان مطراُ من نار تنزل على رؤوس المدنيين في بيوتهم، لتحيلها في لحظات إلى غبار، وتحول البشر إلا أشلاء. المكان لم يكن ساحة حرب، بل كان قطعة من جهنم.
وعلى الرغم من كل المناشدات من قبل الصليب الأحمر للسماح بالدخول لانتشال الضحايا، إلا أنّ الغدر والعنجهية والتآمر، وصلف الاحتلال لم تمنح طواقم الإسعاف فرصة. كلما حاولت الدخول، أمطروها بوابل من الرصاص. لم يكن سهلاً على تلك الطواقم أن تتراجع، فاتخذ بعضهم موقفاً بطولياً باقتحام الحي لإجلاء الجرحى. إنّهم بحق ملائكة تحفهم رعاية الله.

النصر له ألف أب، والهزيمة يتيمة

في الشأن السياسي، نسمع الكثير من التحليلات السياسية، من الناس، عبر التلفزيون، عبر الإذاعة، ونسمع كيف ينظر الكثير من السياسيين إلى هذه الحرب، ولكن بعد خطاب المقاومة، والانتصارات التي حققتها على الأرض، بدأنا نشهد تراجعاً واضحاً عند أصحاب الرأي والمتفلسفين. الناس هنا يراقبون المشهد جيداً، والشارع الفلسطيني لم يعد ساذجاً، لذلك نقول لكم اسحبوا أمتعتكم من سماء العزة وانصرفوا من أرض الانتصارات. فنحن هنا لا نعرف إلا أباً واحداً وأماً واحدةً.