وجاء اليوم الموعود! شهور من القصف الإعلامي المركّز. قنوات سخّرت نفسها لربّها الأعلى، نقلت البندقية من كتف إلى آخر، من دون حتى بذل أي عناء لتبرير هذا الانقلاب أو إنقاذ ماء الوجه. وعلى الشاشات الصغيرة كما الافتراضية، فلتت علينا نِمر من «الثوّار» و«التغييريين»، أمطرونا بمصطلحات وتعبيرات عشوائية لا تدلّ سوى على خواء الواقع اللبناني السياسي والفكري. المرشّحة «البورجوازية» عن لائحة «لبنان السيادة» عن المقعد الأرثوذكسي في دائرة بيروت الأولى أسمى أندراوس تستحقّ للأمانة جائزة لاختصار واقعنا وضحالتنا الفكرية ببلاغة منقطعة النظير. لا يغطي على غوغائية وسطحية أسمى أندرواس سوى تنظيرات ليال بو موسى الفوقية، وأيضاً نبرتها التقريعيّة ــ في الأسبوع الأخير من الاستحقاق ـــ على التلكؤ في ركب قطار التغيير. عمر حرفوش كان فلتة الموسم. كريستوف كولومبوس طرابلسي، آت ليعلّم الأتيكيت لأهل عاصمة الشمال التي سبقت بيروت في صالاتها السينمائية وحيويتها الثقافية والاقتصادية والفكرية. في المقلب الآخر، عادت «صرماية» وئام وهّاب، والخفّة الممزوجة بالاحتقار التي قابل بها الفارس الصغير ميشال المرّ جونيور «رعاياه»، فـ «لشو يقدّم برنامج انتخابي، إذا ما رح ينفّذو». لن نفتح سيرة نديم الجميّل، نحيلكم إلى فيديو معبّر انتشر على «تويتر» بعنوان «مع نيدو كبرو الولاد الصغار»... كاكوفونيا من الركاكة والابتذال والتفاهة (بالإذن من ميلان كونديرا)، أضيف إليها استثمار مكثّف في انفجار مرفأ بيروت، و«طوابير الذلّ»، و«الأدوية المفقودة»، و«هوية لبنان المخطوف». Mtv لم ترحمنا حتى في نهار «العرس الديموقراطي». كديك الضيعة، استنهضت الناس عند السادسة والنصف صباحاً. طرحت الصوت إنقاذاً لـ «لبنان المخطوف»، الذي سيعيده الناخبون إلى «هويته الحقيقية» (يعني topless)، وحذّرنا الصحافي طوني بولس من أن يربح حزب الله في عقر دار الموارنة في جبيل كسروان. والمراسلة أورور من دائرة الجنوب الثالثة تُعلمنا بأنّ ساحة النبطية فارغة في هذه الساعة، فـ «لا ثوار» و«لا أحزاب»، وطوال اليوم، ركّت القناة على الإشاعات والأخبار المغلوطة والملغومة التي تخدم سياستها ومصلحة فريقها السياسي. أما «الجديد»، فآخر اختراعاتها خروجها بنشرة افتراضية عشية يوم الانتخابات، تبشّرنا بـ «لبنان جديد» محمول على أكتاف «قوى التغيير». «الكتائب» و«القوات» و«الاشتراكي» تندرج ضمن قوى التغيير. «لبنان الجديد طلع لحم بعجين»!منذ أشهر، واللبنانيون عرضة لحملة إعلامية قوامها الاستقطاب، والتجييش المذهبي والطائفي، والتحريض، والعنصرية والعشوائية والغوغائية. المهنية، الدقة، الحياد، المساءلة والشفافية، مفردات لم تعد على الموضة منذ زمن ما قبل الانهيار، وإعلامنا الراكض وراء الفريش دولار، لن يخسر دقيقة من هوائه لمَن يملك مشروعاً، ولن يكلّف نفسه عناء تقديم المعلومة، ولا التزام الصمت الانتخابي، ولا منح تغطية متوازنة لكل المرشّحين. كلنا يتذكّر في انتخابات المغتربين، كيف كان بعض مراسلي القنوات اللبنانية يقطعون حديث ناخب لمجرّد أنّه لا يوافق هوى المحطة السياسي.
نتائج اليوم ستطوي المَشاهد والصور والحملات الإعلامية التي أتخمنا بها على مدى أشهر. سيربح من يربح، وسيرجع الكل إلى قواعده، وسيعود اللبناني إلى يوميات الشقاء «العادي». أما الإعلام، فسيواصل دوره في خيانة رسالته والانقلاب على نفسه عند كل استحقاق.