لاريب أن العمل على تعريب نسخةٍ من مسلسل suits الأميركي كان جهداً شاقاً، خصوصاً أن النسخة الأم قدّمت تسعة مواسم حققت فيها العديد من الجوائز التلفزيونية والفردية لأبطالها. يأتي «سوتس: بالعربي» كنوعٍ من التعريب للمسلسل الأميركي المصنف ضمن إطار الدراما القانونية المكتبية (office legal drama) الذي يمكن اعتباره واحداً من أنجح المسلسلات التي قدّمها الكاتب آرون كوش. وقد سبق للجمهور أن عرفه عبر مسلسلاتٍ ناجحة مثل «الكل يحب رايموند» (1996) وjust shoot me (1997) والمنتج دوغ ليمان مخرج أعمال مثل Mr. & Mrs. Smith (2002) وThe Bourne Identity (2005). النسخة العربية يخرجها عصام عبدالحميد، ويكتبها/ ينسّقها محمد حفظي وياسر عبدالمجيد فيما يتناوب على بطولتها -بجدارة- آسر ياسين، أحمد داوود، صبا مبارك، محمد شاهين، ريم مصطفى وتارا عماد.تحكي القصّة حكاية آدم (أحمد داوود) الذي يمتاز بفهمه العالي للقانون. تضعه المصادفة أمام زين ثابت (آسر ياسين) أهم محامي في البلاد، يعمل في شركة «المسيري» للإستشارات القانونية. يصبح آدم اللماح والذكي بسرعة مساعداً لزين من دون حتى أن يمتلك شهادة لممارسة الحقوق. طبعاً هذا يبقى السر الذي يجمعهما. في الشركة نجد المديرة فريدة المسيري (صبا مبارك) التي تمثّل القوة والمال والجمال فيما قدري الزيات، المحامي وزميل آدم والشخصية الأقرب إلى فكرة drama queen لكثرة ادعائه وشكواه. ليلى رضوان (تارا عماد) هي المساعدة في المكتب يعجب بها آدم لكنه يخشى افتضاح أمره، وكاميليا أشرف (ريم مصطفى) بدور مساعدة زين والمقربة منه بشكلٍ كبير. تطرح كل حلقة قصة جديدة، وإن أبقت على التوازي في القصص التي تربط بين الأبطال أنفسهم. كل حلقة تقرّب الأبطال من بعضهم أو تبعدهم أكثر، إذ تأخذ القصة المشاهدين في الماضي والحاضر في حياة الأبطال وتعقيداتها في جوٍ خفيف يمكن مشاهدته بسهولة حتى لو أنّه لا يعرف أي شيء البتة عن القانون. إذ يركز المسلسل على الذكاء والتنبه والحبكة الجميلة بعيداً عن الدخول في تفاصيل القانون العلمية المعقدة.
أقوى ما في المسلسل هو اختيار الممثلين. يأتي آسر ياسين في طليعة هؤلاء. لقد درس هارفي سبيكتر، الشخصية الأصلية التي برع في تأديتها الممثل الأميركي جابريال ماخت؛ طوّر عليها، وزاد تفاصيل لا تشبه إلا شخصيته زين ثابت. هذا الأمر يحسب له، فهو أعطى طابعاً شرقياً لشخصية غربية. في الوقت نفسه، لم يقل جهد الممثل الشاب أحمد داوود عن زميله ياسين، فدرس شخصية مايك روس التي أداها باتريك آدمس، واستطاع أن يكون أفضل حتى من الشخصية الأصلية، فكان متردداً ساعة التردد، ومباشراً. ولكن الأهم أنه أدى دور الشاب البريء البسيط على الرغم من ذكائه الشديد. طبعاً هناك فوارق بين الشخصيتين، فمايك روس يمتلك ذاكرة بصرية، فيما آدم يُظهر مرةً واحدة أنه يملكها ولا يعود المسلسل على ذكرها لاحقاً أبداً، فلا يعرف المشاهد إن كان يملكها فعلاً أم لا. صبا مبارك أفضل مؤديات جيلها، ولكنها لم تجد حتى اللحظة -على الرغم من بطولتها لأعمال كثيرة- العمل الذي يضعها في مصاف النجمات الكبيرات، ولو أنها تمتلك المهارات. لذلك قد يحصل أن يكون هذا الدور -على صغره- فرصةً لإطلاقها، خصوصاً أنها تلعب الدور الذي لعبته القديرة جينا توريس في النسخة الإنكليزية. طبعاً صبا تمتاز عن توريس بالجمال والصبا، يذكر أن توريس كانت قد فازت بجوائز عدة على الدور. تارا عماد بدورها تلعب ليلى رضوان، وهو الدور الذي لعبته ميجان ماركل، دوقة سوسيكس حالياً وزوجة الأمير هاري إبن الليدي ديانا والأمير تشارلز من العائلة الملكية البريطانية. تمتاز عماد بخفة دم فضلاً عن مهارة في الأداء، وهي منذ ظهورها في مسلسل «الجامعة» (2011) تعتبر من وجوه جيلها الفني المتميزة. محمد شاهين يؤدي دور قدري الزيات، وهو الدور نفسه الذي لعبه الماهر ريك هوفمان. إنه محامٍ قدير، لكنه مغرور متكلّف، مدّعي، وفوق كل هذا منهك؛ وقد أدى شاهين هذه الصفات بمهارة، ولو احتاج المشاهد في البداية لتقبّل الشخصية. مع ذلك، فإن شاهين فعلياً يثبت بأنه قادر على لعب أصعب الشخصيات، بسهولة بالغة.
في الرؤية العامة، يمكن اعتبار المسلسل واحداً من أفضل مسلسلات هذا العام، لناحية أن القصة مسبوكة بحرفية عاليةً، فضلاً عن مهارة كبيرة في تعريب المسلسل، إلى درجة يشعر المشاهد بأنه كُتب في بلادنا، وليس نسخةً مترجمة لناحية التفاصيل والذكريات. كأن يذكر «كابتن ماجد»، مسلسل الأطفال الكرتوني الشهير، أو مثلاً الاستشهادات الكثيرة بالأفلام المصرية القديمة الأبيض والأسود بين زين وآدم وسواها. الامر نفسه ينسحب على الإطار العام للقصة التي تشعر المشاهد بالانجذاب للتفاصيل الكثيرة ورغبته في أن يعرف عن الأبطال أكثر، يضاف إلى كل هذا الجمال الكثير والترتيب والنظافة في المسلسل. هذه النقطة تحديداً على الرغم من أنها جذّابة، إلا أنّها قد تكون علّة من أكبر مشاكل المسلسل. يشعر المشاهد بعد مدّة من متابعته بأن المسلسل يسكن في «اللالاند» فعلياً. هو أشبه بمسلسلات ديزني، أبطاله يعيشون في عالمهم الخيالي لا يشعرون بمشاكل المجتمعات، لا السياسية ولا الاقتصادية. يغرق المجتمع العربي -ككل- بمشكلاتٍ يومية، لا نجدها في المسلسل البتة، كما لو أنه يحدث في بعدٍ فضائي آخر. الأمر يتكرر في كون الأبطال والبطلات بمجملهم كما لو أنّهم منتقون بعناية أو كما يقول المصريون «عالفرازة». كلهم super models: الشباب والفتيات جميلون، أنيقون، رشيقون، ملمعون بشكلٍ مبالغ فيه، إذ لا تشاهد أي شخصية لديها كرش أو ممتلئة أكثر من اللازم، لا محجّبات، لا أسماء تدل على انتماء ديني من أي نوع. حتى نوعية الثياب/البدل التي يبلسونها يشعر المشاهد أنها «سينيه»، مكوية وملمّعة طوال الوقت. هذه الأمور تجعل المشاهد يحلم بأن يكون هناك وأن يسكن هناك. مداعبة المشتهى/الحلم هذه جميلة ولكنها منهكة في آن. الأمر الثاني المنهك في المسلسل هو حديثه عن القانون وعن مهارات أبطاله القانونية، في عالمٍ عربي يعرف القاصي والداني أننا لسنا في السويد أو أميركا، فالقانون لايمشي بالطريقة نفسها هنا، وهناك آلاف الطرق للإلتفاف حوله، كما هناك قوى سياسية لا يحاكمها قانون ولا تحكمها ضوابط. النقطة الثالثة هي الفوارق بين سلوك الأشخاص في بلادنا ونظرائهم في الغرب. نجد في كثيرٍ من اللحظات أن الموظفين لا يتصرفون كعرب، بل كشخصيات أشبه بنسخ متحوّرة عن مثيلاتها الغربية، طبعاً لا نتحدث هنا عن الشخصيات الرئيسية، بل عن معظم الشخصيات الثانوية أو الممثلين المساعدين وسواهم. تبقى نقطة أخيرة، هي أنَّ هذا النوع من المسلسلات في المعتاد ترعاه شركاتُ اعلانٍ كثيرة، لكنها لا تقوم بالاعلان خارجه بل بداخله ضمن منطق product placement أي يشتري المشاهد ما يستخدمه البطل، كالهاتف والبزة، وتقريباً كل شيء في المسلسل؛ وهذا ما يجعل المسلسل أشبه بإعلان دائم كما يقال بالعامية من «البابوج للطربوش».
* «سوتس»: «أو أس أن يا هلا» (21:20)، «سي بي سي» (22:00)،