التصريحات والتغطيات والزلّات (الفاضحة للاوعي الجمعي) التي نشهدها في الحرب الروسية الأوكرانية، أسقطت ورقة التين عن الإعلام الغربي. الثقافة والإعلام والفن مجرد ذراع ضمن منظومة الهيمنة الاستعمارية. ما عادت تنفع بيانات الترقيع والاعتذارات. كأنّنا بإدوارد سعيد يبتسم من عليائه، معاتباً: ألم أقل لكم؟.مراسلون وصحافيون أميركيون وبريطانيون وفرنسيون (الأخبار 28 شباط/ فبراير 2022) هالهم ما رأوه خلال تغطيتهم العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، فأفلتت منهم على الهواء عبارات وكلمات وتشبيهات كشفت عن منظومة التفكير الاستعمارية القائمة على التفوّق الحضاري الغربي ورقيّ الرجل الأبيض... هذا الغرب الذي سجّل "براءات اختراع" في البشاعات المرتكبة عبر التاريخ، بهدف الهيمنة على الشعوب وثرواتها، من العبودية (لم يضئ الاعلام الغربي المهيمن على العنصرية التي يواجهها السود الهاربون من جحيم الحرب في اوكرانيا) الى أبلسة " الشرق" "المتوحّش" و"المتخلّف". كاد ينقص الإعلام الغربي هذه الأيام، أن يُخرج من المعجم تسمية "الأجناس المحكومة" على قول "اللورد" كرومر في وصفه "مستعمرة مصر" مطلع القرن الماضي...



ما عاد مفاجئاً، والحالة هذه، أن نسمع مراسلة «أن. بي. سي»، الأميركية كيلي كوبيلا تعلّق على أوضاع اللاجئين الأوكرانيين قائلة: «هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا. هؤلاء مشابهون للأشخاص الذين يعيشون في بولندا»، أو مراسل BBC يقول إنّ الأوكرانيين اللاجئين «أناس أوروبيون، بعيون زرقاء وشعر أشقر يقتلون». وعلى قناة BMF الفرنسية، أحد الضيوف مستهجناً: «إننا في القرن الحادي والعشرين وهناك بلد تنهال عليه الصواريخ كما لو كان العراق أو أفغانستان، هل تتخيلون؟».
الاعلام الالكتروني عمل في مرحلة ما بعد الحداثة على تكريس الصور النمطية عن الشرق العائدة الى القرن التاسع عشر. والسينما والتلفزيون وجميع أجهزة الإعلام المهيمنة تعمل على تشكيل المعلومات حتى تلائم هذه القوالب النمطية القديمة التي ينظر بها الى الشرق على قول سعيد في كتابه "الاستشراق". لكن مَن يتوسط لنا عند "الجزيرة" (راجع «الأخبار» 28 شباط 2022) التي تسللت هذه الصور أيضاً الى شاشتها؟ كأننا بها هذا "الشرقي" الذي يتمرّى في مرآة غربية!