قليلاً ما كان كاتب الدراما يحصد شهرةً توازي جهده المضني في التأليف، فالدراما الحقيقية تبدأ من عنده. هو الخالق للفكرة، والمكوّن للشخصيات والباحث عن البراعة في صوغ الحوارات. المخيال المتوهّج، والاقتراح الذي يأمل أن يكون مشعاً الدهشة. وهو صاحب الالتفاف والمناورة الذكية على الرقابة. وهو الباحث خلف سياج حكايته عمّا يتممّها وينكّه تيماتها! ومع ذلك، غالباً ما ينسب النجاح في العمل التلفزيوني للمخرج أوّلاً، رغم أن القصة تبدأ من عند الكاتب. خلافاً لذلك، تمكّن الكاتب السوري ممدوح حمادة من صناعة شهرة طائلة، ووضع اسمه في مطرح متقدّم، بخاصة بعد مسلسله الكوميدي ذائع الصيت «ضيعة ضايعة» (إخراج الليث حجو). وفقاً لهذه المكانة، قررت إدراة تلفزيون «العربي» أن تستعين فيه لتصنع لجمهورهــا «سيتكوم» ضخماً تخطط أن يكون غير مسبوق يحمل عنوان «بستان الشرق» (كتابة ممدوح حمادة بشراكة ورشة، وإخراج محمد خير العمري وإنتاج ميتافورا- مدير المشروع أنس أزرق) وهو يحكي عن أحداث يومية تجري داخل فندق كبير. علماً بأنه كان هناك فندق يحمل اسم «بستان الشرق» أسسته عائلة ارستقراطية في عهد الاستقلال والمشاريع الوطنية في أربعينيات القرن الماضي، لكن العائلة واجهت الانقلابات العسكرية، وتداعى مشروعها، وتهاوى الفندق وغزته العشوائيات من كل صوب! تترك القصة فرصة واضحة أمام حالة إسقاطية تواكب الحدث العربي الآني، ويفترض أن يستمر المسلسل لحلقات طويلة تصل إلى 250 تعرض خمسة أيام في الأسبوع، وتعاد يومي الجمعة والسبت على «تلفزيون العربي2» الذي تستعد قطر لإطلاقه قريباً. ومن المفترض أن تكتب الحلقات بشكل متتال أثناء تصوير المسلسل بالاتكاء على الأحداث الآنية التي تجري في العالم العربي. لكن المفارقة بأنه رغم بدء التصوير في الدوحة قبل أيام، واستقطاب نجوم سوريين وعرب بينهم: محمد حداقي، وحسن عويتي، ومازن الناطور، وأندريه سكاف، وسوسن أبو عفار، وعبد الحكيم قطيفان، وعباس شاهين، وبعض الأسماء الأخرى، إلا أن الأخبار الواردة من موقع التصوير تؤكد بأن المسلسل ذهب للمخرج الخطأ. علماً بأن العمري يعمل في الملابس، وهذه أوّل مرة يتصدى فيها لمسلسل كمخرج، وهو ما خلق بحسب معلومات واردة لنا من موقع التصوير إشكالات صريحة مع الممثلين، الذين باتوا يعترضون بشكل مستمر لدى الجهة الإنتاجية على السوية، والطريقة الإخراجية، والنتيجة النهائية للمشاهد التي تظهر دون المستوى المأمول. ويطرح المعترضون على المخرج أسئلة عن كيفية اعتماد مخرج قادم من عالم الملابس، فيما لو جرّب أحد البحث والتقصّي حول سيرته، وما يملكه في رصيده من أعمال درامية، لما وجد سوى الأعمال التي شارك فيها كمشرف ملابس. كما يتساءل هؤلاء عن مدى قدرته فعلاً على التصدي لعمل طويل يلعب بطولته نجوم مكرسون من جنسيات عربية مختلفة، وعن السبب الذي جعل المحطة تخصص ميزانية كبيرة للعمل، وتستقدم كاتباً مرموقاً، مع ورشة ونجوم مشهورين، في حين تستكين في الخيار الإخراجي لمخرج مغمور يأخذ فرصة فضفاصة!الحجة التي يعتمد عليها هؤلاء في تكوين رأيهم، بأنّ العمل يطرح إسقاطات تتعلّق بواقعنا العربي بطريقة ذكية مبتكرة، وهذا التجديد مطلوب في المحتوى، إلا أنّه لا يحتمل التجريب على يد مخرج لا يملك أسلحة تخوّله خوض هذه المعركة، وبأن العمل يحتاج لربّان قادر على إحكام السيطرة على التفاصيل المطلقة!