في المعتاد بعد تحوّل مواقع التواصل الاجتماعي إلى «قدرٍ» بشكلٍ أو بآخر، وبعد دخولها بيوت وعوالم الناس، كان من الطبيعي أن يتعرّض كثيرون؛ أسواء أكانوا من الناشطين أو صنّاع المحتوى والرأي أو حتى «مشاركين عاديين»؛ للكثير من المضايقات والتنمّر والـcyber bullying. يومها أصدرت منصات التواصل الاجتماعي كفايسبوك، تويتر وسواهما نوعاً من «الاشعار» بخلقها «منظومتها الأخلاقية» الجديدة لحماية الجميع ضمن أطرها العملية. قوانينٌ مجتمعية ضابطة تحكم وتمسك بمن هو متواجد على هذه المنصات، وقد تصل عقوبتها الرادعة إلى طرد الشخص، ومنعه من ولوج حساباته نهائياً. هذا الكلام الجميل خلبي؛ كما هي هذه القوانين «المجتمعية». يتعرّض الناشطون، صنّاع المحتوى والرأي، والمشاركون العاديون يومياً للتنمّر الإفتراضي من هذه القوانين بالضبط، ليس لسبب إلا لأنّهم يخالفون «رأي» هذه المنصّات السياسي. نحنُ إذاً أمام سيف ديموقليس المسلّط بشكلٍ دائمٍ على الرؤوس؛ هو وضع أصلاً بحسب الأسطورة الإغريقية مربوطاً بخيط رفيع فوق رأس الملك ديموقليس كي يمنعه من «الظلم» و«الخطأ» بحق رعيته؛ واحدةٌ من المفارقات أن التاريخ، وحتى الأسطورة ذاتها لم يذكر ملكاً «عادلاً» أو «أحبّه» شعبه يحمل ذات التسمية. كان سيف ديموقليس وسيلةً للترويع والإستعراض، لا أكثر.في البداية فلنرسم ما يحدث خطوةً بخطوة: كثيرةٌ هي الكلمات التي قد تعرّض صاحبها لخطر الإيقاف (ban). فلنأخذ مثالاً كلمة «مقاومة» التي تعرّض صاحبها لتهديدات بدايةً من نوع: «إن منشورك يخالف قوانين الفايسبوك الإجتماعية لذلك فأنت محرومٌ من الـLive لمدة شهر، كما يمنع عليك أنَّ تقوم بأي إعلان مدفوع الأجر خلال تلك المدّة». يقوم الفايسبوك هنا، عبر قوانينه المرتبطة بالسيف، بمنع الشخص «المخالف» من تبرير حتى لماذا فعل هذا، فضلاً عن مقاطعته «مالياً»؛ ليس لأنَّ الموقع الأزرق -كمثال- لا يحتاج المال، بل لأنّه لا يثق بأنَّ مالك «نظيف» بحسب قوانينه. لاحقاً إذا ما حصل وارتكبت سلوكاً مشابهاً، كأن أعدت الكلمة، أصررت عليها، استخدمت ما شابهها، سيرفع العقاب. السيف بات يتأرجح فوق رأسك أكثر. سيتم إيقاف حسابك لشهر كامل هذه المرّة. لاحقاً، في حال استمرارك بالخطأ نفسه- حسبما ترى هذه المواقع- سيصار إلى إيقاف حسابك نهائياً، مع ملاحقة رقم تعريفك في الإنترنت أو ما يعرف بالـip address ورقم هاتفك. بالتالي هنا حرفياً، يسقط السيف المسلط على رأسك تماماً. إنه الـcyber bullying بكل ما للكلمة من معنى: لم يعد يحق لك التواجد في هذه الموقع من أيٍ من وسائل تواصلك المعتادة، فهاتفك أصبح رقمه مرفوضاً، ورقم تعريفك بالإنترنت كذلك. يلجأ الناشطون ساعتها إلى خلق حساباتٍ جديدة من هواتف جديدة، أو أماكن أخرى، غير تلك التي يستعملونها عادةً: لكن الفايسبوك إذا ما اعتبرك «خطراً»، فإنه سيسارع مرةً ثانية، لإغلاق حساباتك. هنا تتأكد بأن هذه القوانين المجتمعية، ليست للإستعراض فحسب، هي أيضاً سيفٌ قويٌ وحاد.
إذا، ماذا عن هذه القوانين المجتمعية؟ كيف تم وضعها؟ باختصار، وبدون مواربة، إنها قوانين مجتمعية مرتبطة ببلاد المنشأ لأغلب هذه المواقع الإفتراضية: الولايات المتحدة الأميركية. تسير هذه المواقع بمعظمها حسب القوانين الأميركية، وتتعامل مع كل ما حولها تبعاً لهذه القوانين. المعنى: إذا ما اعتبر الفايسبوك حزب الله -مثالاً- تنظيماً إرهابياً، فإنَّ هذه المنصّات ستعتبره كذلك. لا يهم إن كان حزب الله يمثّل شريحةً واسعة من الشعب اللبناني، أم أنّ له تمثيلاً دبلوماسياً ونيابياً وتشريعياً في البلاد. كل هذا لا يهم؛ المهم هو هذه القوانين الوضعية. الغريب، وبحسب ما تشير إليه مقالة للكاتب ديفيد لوير في موقع «سبرينغر»، فإن قوانين الفايسبوك هذه «تباعد بين الناس وتخلق حواجزاً بينهم». ورغم اعتراض عالم الكمبيوتر الفرنسي يان ليكون، مسؤول الذكاء الإصطناعي والمراقبة في فايسبوك، على التوصيف؛ إلا أنَّ الحقائق التي أوردها المقال كانت دامغة، إذ أن الفايسبوك مثلاً «يساير» و«يوافق» كثيراً من الحكومات التي يؤيدها الغرب في قمعها وضغطها وضبطها لما ينشر عبر هذه المنصة (والمنصات التابعة لها). يقوم الفايسبوك كمثال، ليس بحذف المواد التي لا تريدها هذه الحكومات، بل يخفيها في تلك البلاد فحسب، وهذا ليست مجرّد تطبيق آني، إنّه سياسةٌ كاملة.