ربما هي المرّة الأولى التي تحسم ممثلة جدالاً حول ماهية نجمة رمضان الدرامية للعام في منتصف الشهر وليس عند آخره: يمكن القول وبالفم الملآن إن روجينا هي نجمة دراما رمضان 2020 بلا منازع. نجحت الفنانة المصرية من خلال تأدية دور فدوى في مسلسل «البرنس» في أن تخطف الضوء أنى ظهرت على الشاشة، لربما حتى هي أهم بكثير من نجم العمل محمد رمضان. في ذلك لا تقليل من قدره وأدائه، لكن إعطاء الحق لمن استطاعت أن تظهر أن التمثيل/ الأداء ليس مجرّد عمليات تجميل واكسسوارات، بل روح ومقدرة.نضجت روجينا كثيراً هذا العام. النجمة التي باتت في أواخر أربعينياتها إبنة الشرقية في مصر؛ وخريجة المعهد العالي للفنون المسرحية، باتت فعلاً تعرف من أين تؤكل الكتف. يخطئ كثيرون حينما يعتقدون بأنّ «الشخصية/ الأدائية» تحتاج أن تكون الشخصية «مفعمة» بالألم أو متكسّرة مع موسيقى حزينة وأضواء معتمة/ خفيفة ومنزل مهدّم كي تأسر قلوب المشاهدين وتجعلهم يتعاطفون معها، وبالتالي يشهدون على إبداعية الأداء. لم تحتج روجينا لكل ذلك البتة، بل إنّها بالفعل عملت عكس ذلك تماماً في شخصيتها «فدوى». ارتدت ثياباً ملوّنة/ مزركشة في بعض الأحيان، ألواناً فاقعة. وضعت ماكياجاً يناسب الشخصية، التي تشعر بأنّها «كعروسة المولد» التشبيه المصري الذي يعني أنها «تكثر» من وضع مساحيق التجميل، لكنها مع ذلك حافظت على جمالية خاصة للشخصية؛ فلم تبدُ مستهلكة أو مستنفرة. يضاف إلى كل هذا استخدام نقطتين شديدتي الأهمية: الأولى هي الصوت، فأعطت الشخصية نوعين أو ثلاثة من الأصوات. صوتٌ تستخدمه أثناء الدلع، وتحضره من «الجواب» فيما يكون صوتها الغاضب عميقاً من «القرار» (الجواب والقرار نوعا الصوت الغنائي). في المعتاد، يأتي الجواب مرتفعاً صاخباً، فيما القرار عميقاً داكناً. بقي الصوت البسيط الهادئ والواثق الذي تستخدمه حينما تتحدّث بخوف. هذا كان الجانب الأول. أما الجانب الثاني، فهو الأبعاد الكثيرة لشخصيتها والطبقات التي وضعتها فوق بعضها لتصبح «فدوى» شخصية حقيقية شديدة التعقيد بدلاً من معتاد الشخصيات «الثانية» في أيٍ من المسلسلات العربية.
جرت العادة، أن تكون الشخصيات الثانية في غالبية المسلسلات العربية، ثانوية بكل ما تعنيه الكلمة. شخصية لا ملامح حقيقية لها، بخلاف فتات ما يرميه الكاتب أو المخرج. لكن «فدوى» ليست كذلك البتة. وهنا يجب الإشارة إلى أنَّ شخصية فدوى هي صناعة روجينا، لا الكاتب (كاتب المسلسل هو مخرجه محمد سامي) حسب الظاهر. في المعتاد لا يهتم معظم كتاب الدراما العرب بالشخصيات الثانية. بالتالي ليس أمامنا إلا أن نفترض بأن شخصية «فدوى» هي صناعة كاملة لروجينا. تحكي فدوى حكايتها غير مرة، تظهر شخصيتها كذلك، ملامحها حقيقية إلى أبعد حد. تتنقل بسهولة بالغة بين أمراضها النفسية وسلوكاتها: هي سايكوباثية (Psychopath) تكره المجتمع وقادرة على الإتيان بأفظع الجرائم وبسهولة بالغة من دون أن يرف لها جفن، ومتعاطفة في لحظاتٍ ثانية إلى مرحلة أنّها ترفض الظلم ولا ترضاه. أضف إلى هذا كلّه استخدامها للأمثال الشعبية والحكم والسلوكيات التي تناسب شخصيتها كمعلمة تماماً (فنجدها مثلاً تمارس «الزار» وتدخن الشيشة وسواها). أيضاً تبرز تعلّقها المرضي بالرجل الذي تزوجته كبيراً -كمثال-، فمات وأورثها كل شيء. الرجل الذي تسمّيه «صاحب الفضل» وتضع له في المنزل صورة قد تبدو غاية في الكاريكاتورية، لكنها منطقية، إذ هي تراه هكذا: رجلٌ كبير في السن، يرتدي شورتاً قصيراً أبيض، يدخن الشيشة بلا مبالاة؛ ويبدو مرتاحاً/ مسترخياً للغاية. هي دخلت عنده خادمة وخرجت من عنده «ملكة». لذلك من الطبيعي أن تكون صورته بالنسبة إليها هكذا. هي لم تنكر فضل الرجل عليها، وتشكره كل الوقت؛ لكن ذلك لا يمنع ــوقد نكتشف ذلك لاحقاً ـــ أن فدوى قد تكون هي من قتلته لأنها احتاجت أن تكبر خارج قيوده. فشخصيتها قادرة على ذلك. الأمر نفسه ينسحب على أنّها قادرة على كسر قيودها بشكلٍ يذكّر بالشخصيات النسوية شديدة الأهمية من الروايات كما سوزان برايدهايد من رواية الروائي الإنكليزي الأشهر توماس هاردي جود الغامض (Jude the obsecure). هي تأخذ من الشخصية كثيراً، لناحية تمردها على العادات والتقاليد، أو هانا شميتز من رواية برنارد شلينك القارئ (Der Vorleser) لناحية أنها تأخذ ما تريده مهما كان، تشبه كايت باركر التي جعلتها فرقة «البوني أم» Boney M شهيرة عبر سبعينيات القرن الماضي في أغنيتها Ma baker قائدة العائلة الإجرامية الشهيرة. كل هؤلاء طوّرت روجينا شخصيتها كي تقابلهن وإن على شكل يناسب طبيعة «فدوى» في المسلسل. هي تقتحم المنازل مع زوجها فتحي للحصول على ما تريده؛ تضع اسمها وشماً كعقاب على من حاولوا سرقة «زبائن» المخدرات التي تبيعها. تدخل شقيق زوجها في السجن بحنكة بارعة وبذكاء بالغ، وفوق كل هذا تقيم علاقة مع شقيق زوجها وبكل برودة أعصاب كأنها لا تفعل شيئاً؛ لا بل حتى تذهب لتبحث عنه حين لا يرد على مكالماتها الهاتفية. لهذا الحد شخصية «فدوى» عميقة وذات طبقات.
باختصار؛ طبعت روجينا موسم الدراما هذا بلونها، وهذا يحسب لها وكثيراً. المطلوب منها هو المراكمة عليه: أن تقوم باستخدام الشخصية مرة ثانية إذا أرادت: ماذا عن جزءٍ سابق prequel نتعرّف فيه على فدوى وكيف وصلت إلى ما هي عليه؟ نتعرّف على صاحب الفضل وعلاقته بفدوى؟ ماذا عن جزءٍ لاحق نرى فيه فدوى في قصة خاصة لتصبح سيدة الإجرام في مصر أو الوطن العربي؟ ماذا لو أنها جمدت شخصية فدوى قليلاً، وقامت ببطولة مسلسل يقوم على شخصية مشابهة، لكن هذه المرة بدور رئيسي/ بطولة مطلقة العام المقبل؟ احتمالاتٌ كثيرة أمام روجينا بالتأكيد، لكن الأهم ألا تعود إلى الخلف مطلقاً، فمن هو قادرٌ على تقديم هكذا مجهود حرامٌ ألا يستكمل الطريق.

* «البرنس»: 12:30 ظهراً على «أو. أس. أن. يا هلا»
13:30 على قناة «أوربت مسلسلات»
20:00 على «ام. بي. سي»