تعطي lbci غداً موعداً لمشاهديها مع الدراما الاجتماعية «ولاد البلد»، في أوّل تجربة مع الكتابة الدرامية لغريتا غصيبة وتوقيع المخرج سمير حبشي وبطولة نادين الراسي، بيتر سمعان، طوني عيسى، أسعد حطاب. وهو الاسم الذي اعتمد أخيراً بدلاً من «أنياب وشعراء» و«الطائفة 19». وبانتظار الحلقة الأولى، تختتم هذا المساء حلقات «شوارع الذل» (كتابة فيفيان أنطونيوس ولورا خباز)، الذي تنوّعت الآراء في شأنه، فوصفه البعض بالأقل من العادي، بينما حرص على متابعته بحماسة البعض الآخر، بسبب موضوعه الإنساني.
بذلت الكاتبتان جهداً واضحاً في بحث ملفّ أطفال الشوارع ومتابعته، لكن النتيجة لم تكن على قدر الطموحات؛ لأن العمل لا يحمل المواصفات التي تؤهله للمنافسة عربياً، ولو حصد نسبة مشاهدة مرتفعة محلياً. ولعلّ حظه العاثر، أن عرضه جاء بعد «وأشرقت الشمس»(كتابة منى طايع وإخراج شارل شلالا) المتقن نصّاً وأداءً، وتضمّن الشروط المقبولة إنتاجاً وإخراجاً. فلا النص نطق بلسان أولاد الشوارع، ولا الكاميرا دخلت الأحياء الشعبية الفقيرة، حيث يمكن نقل صورة حقيقية عن الواقع، بدل تصويره في شوارع المتن الشمالي. والأكيد، أن مقارنة العمل بالمسلسل المصري «بدون ذكر أسماء» (كتابة وحيد حامد وإخراج تامر محسن)، يظلمه أيضاً. فبغضّ النظر عن أن التجربة المصرية غالباً ما تكون الأكثر إتقاناً، وخصوصاً إذا تعلّق الموضوع بالتصوير في العشوائيات والأحياء المدقعة. ومجرّد القول إن العمل كتبه وحيد حامد، يجعل المقارنة ظالمة للكاتبتين - الممثلتين، ربما لأن اسم صاحب «الجماعة»، كاف وحده للتأكّد من أننا أمام نصّ محبوك بذكاء وابن بيئته، وطرح موضوعي لملف أطفال الشوارع من دون عرض عضلات، أو ادعاء بنيّة تغيير الواقع، بل يعرضها كحالة اجتماعية في الشارع المصري. وقد استطاع حامد تقديم سيناريو بعيد عن الوعظ والبطولات الأسطورية، بالإضافة إلى رصده أحداث الثمانينيات، سياسياً واجتماعياً ونمو التيارات الإسلامية، وكيفية تشكل القيادات السياسية الحالية. كذلك أسهمت اللغة الإخراجية المتقنة لتامر محسن في أوّل عمل حمل توقيعه، في تصدّر العمل ما عرض في رمضان الماضي في الاستفتاءات الجماهيرية والصحافية في المحروسة. فقد رافق المتسوّلين في أوكارهم وخلال أوقات عملهم في الشوارع وعلى إشارات المرور، خلافاً لـ«شوارع الذل»، حيث لا تكاد ترى المتسولين إلا في شارع تمرّ السيارات فيه بالصدفة، أو أمام منازل بعض الميسورين. هذا بالإضافة إلى طريقة تعامل الأولاد بدور «النعجة» (الممثلة فريدة سيف النصر) المسؤولة عنهم. وإذا كانت «دجاجة الأرض» (الممثلة لورا خباز)، هي الأكثر محورية في «شوارع الذل»، وكانت الأفضل أداءً في العمل، فإن نظيرتها في العمل المصري هي روبي في ثاني امتحان لها مع وحيد حامد بعد مشاركتها في فيلم «الوعد». وقد تفوّقت روبي في دور «مبسوطة»، وأكّدت أن التمثيل ملعبها بامتياز. بينما كان نظير محمد فراج في العمل المصري بدور رجب الفرخ، هو مالك الرحباني بدور «تايغر». والمقارنة بين الاثنين ستكون ظالمة للممثل اللبناني الشاب. المشكلة الإضافية في «شوارع الذل» تكمن في اللغة الشوارعية التي تكاد تكون غائبة إلّا من حوارات لورا خباز أحياناً، وكذلك في إجبارنا على تصديق أن ماريو المخرج الوسيم وابن العائلة الميسورة، وقع في غرام «دجاجة الأرض».
وكانت فيفيان أنطونيوس أشبه بالمرأة الخارقة التي استطاعت وحدها حلّ مشاكل اجتماعية عجزت عنها الوزارات، وأعطت دروساً في الأخلاق لبائعات الهوى. هكذا، غاصت في ملفّين معقدين في آن واحد. لم تكتف بالاشراف عليهما، بل قرّرت أن تنجز كل شيء بنفسها. فصارت واحدة من أولاد الشوارع وواحدة من فتيات الليل أيضاً. أما بديع أبو شقرا فقد استفاد العمل من اسمه، لكن دوره (الضابط جواد) ظلّ هامشياً جداً، وربما «اخترعت» عملية الكلى ليظلّ حاضراً في خلفية الصورة بين الحين والآخر. كذلك فإن قصة الحب بينه وبين تمار (أنطونيوس) تبدو مصطنعة، خلافاً لما كانت عليه علاقتهما في مسلسل «لمحة حب»، وفيلم «أحبيني» للكاتب مروان نجار والمخرج ميلاد أبي رعد. هذا بالإضافة إلى أن الحدوتة كلها تروى في الحلقة الأولى، أطفال الشوارع ومعاناتهم، معاملتهم القاسية من المعلّم (خالد السيد)، ثم شقيقته سوسن (نيكول طعمة) التي تلبّي أوامر المعلّم بخذافيرها، وتفكّر مراراً في قتله منذ الحلقة الأولى ثم تتراجع، وتكتفي بالدعاء عليه. وعندما نذكر طعمة، فحدث ولا حرج. إذا تجاهلنا أداءها غير المقنع في كثير من المشاهد، فإن ما يمكن تجاهله هو أنها غير مناسبة للدور شكلاً، فأيّ امرأة في مستواها المعيشي المتواضع، قادرة على إجراء عمليات في وجهها؟ ومشكلة أخرى، تتمثل في شخصية الباترونا التي تؤديها ليلى قمري. فالممثلة التي أحببناها مع أبو سليم ليست مناسبة للدور على الإطلاق، وكان الأفضل الاستعانة بممثلة أخرى، تكون أكثر إقناعاً. وهناك شخصيات أخرى ظهرت في العمل: ياسمين (نغم أبو شديد)، رمزي (مجدي مشموشي) الهائم حباً بسوسن، والهارب من زوجته (بولين حداد)، وسواها.
باختصار، يطرح العمل عناوين كبيرة ومهمة، وتأتي معالجتها مشتتة وحبكتها ضعيفة. ومع ذلك، يمكن اعتبار «شوارع الذل» محاولة مقبولة في الدراما اللبنانية، لكن تحتاج إلى الكثير لتكون مكتملة.