فوجئ الجميع بمشهد احتشاد الصحافيين المصريين في نقابتهم عصر الأربعاء، بمن في ذلك أبناء المهنة الذين تخوفوا من أن يخذلهم بعض زملائهم، ويفضلوا البقاء في بيوتهم وعدم الانضمام إلى الجماعة الصحافية التي انتفضت بقوة رداً على إهانة وزارة الداخلية للمبنى العريق في القاهرة.
وضع لائحة بـ 18 مطلباً على رأسها إطلاق سراح المعتقلين على خلفية قضايا نشر

«نتمسك بمطلب إقالة وزير الداخلية» قالها نقيب الصحافيين يحيى قلاش في بداية كلمته للحشود التي اجتمعت في مقر النقابة طوال يوم الأربعاء الماضي، ليؤكد أنّ سقف مطالب الصحافيين لم ينخفض منذ بدء الأزمة مساء الأحد 1 أيار (مايو). أزمة بدأت مع إقدام قوة أمنية على اقتحام مبنى نقابة الصحافيين في سابقة لم تشهد مثيلاً منذ تأسيس النقابة قبل 75 عاماً. إذ أرادت القوى الأمنية القبض على الصحافيين عمرو بدر ومحمود السقا المعتصمين في النقابة بعد اتهامهما بـ «التظاهر والتحريض على قلب نظام الحكم» (الأخبار 4/5/2016). تهم طالت كل المعترضين على تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. ورغم أن هذه القضية تعدّ مركز الأزمة كلها، إلا أنّ الصحافيين نحوا الخلافات السياسية جانباً، واتفقوا على التوحّد من أجل إدانة اقتحام الأمن للنقابة. وعقد اجتماع موسع يوم الأربعاء الماضي، شهد رفع سقف المطالب وعدم التراجع عن إقالة وزير الداخلية مجدي عبد الغفار بصفته المسؤول الأول عن تصرفات عناصره. بل إنّ الصحافيين طالبوا الرئاسة والحكومة بتقديم اعتذار رسمي للنقابة وأعضائها عما حدث، والإفراج عن الصحافيين المحبوسين في قضايا نشر، وعدم نشر صورة الوزير واسمه في الصحف المصرية، ونشر صورته كـ «نيغاتيف» في الصحف المطبوعة والمواقع الإلكترونية. علماً أنّها المرة الثانية التي يتعرض فيها وزير داخلية لتصرف مماثل بعد اللواء زكي بدر وزير الداخلية المثير للجدل في النصف الثاني من الثمانينات، الذي اشتهر بعدائه الصريح للصحافيين والكتاب. مطالبات أخرى خرجت عن جموع الصحافيين تؤكد أن ما جرى، مناسبة للتأكيد على أن مطالب الصحافيين في ما يتعلق بقوانين تنظيم المهنة وبالحريات بشكل عام لم تخفت. على سبيل المثال، تضمن قائمة الـ 18 مطلباً التأكيد على ضرورة إصدار قوانين تجرم الاعتداء على النقابة وأعضائها، ودعوة جميع الصحف المصرية والمواقع الإلكترونية لتثبيت لوغو «لا لحظر النشر.. لا لتقييد الصحافة»، والطعن رسمياً في القرار، وطلب وضع ضوابط لقرار حظر النشر، ودعوة القنوات الفضائية لدرء الهجوم الضاري الذي يُشن ضد الصحافيين بتوجيهات أمنية، ورفض التلويح بتوجيه اتهامات قانونية لنقيب الصحافيين باعتباره ممثلاً منتخباً للجمعية العمومية. علماً أنّ النيابة العامة لوّحت بتوجيه تهمة التستر على مطلوبين للعدالة لنقيب الصحافيين يحيى قلاش. ويبرز من مطالب الصحافيين كذلك رفض تصريح الخارجية الأميركية ورفض أي تدخل أجنبي رسمي في شؤون الصحافة المصرية. يضاف إلى كل ما سبق إقامة دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية لمحاسبة المسؤولين عن حصار النقابة، وتسويد الصفحات الأولى في عدد غد الأحد، وتثبيت شارات سوداء، وتجديد الثقة المطلقة في مجلس النقابة والوقوف خلفه صفاً واحداً حتى انتهاء الأزمة، وإقامة دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية لمحاسبة المسؤولين عن حصار النقابة.
والأهم من كل ما سبق أن كل محاولات التشويش وشق الصف فشلت بما في ذلك خروج صحيفتي «الأهرام» و«الأخبار» الحكوميتين عن الإجماع الصحافي، وتجنب نشر صورة الوزير «النيغاتيف» وأيضاً الدفع ببعض البلطجية للتحرش بالصحافيين خارج مقر نقابتهم. أتت تلك الأمور بنتائج عكسية واستقطبت تعاطفاً من المواطنين الذين يعانون أيضاً من تجاوزات وزارة الداخلية التي لم تتراجع حتى الآن، بل زادت من تصرفاتها التي تهدف ـ عبثاً- لكسر إرادة الصحافيين. وفيما التزم الرئيس عبد الفتاح السيسي الصمت تجاه النزاع بين الداخلية وأصحاب الكلمة والقلم، طالت انتقادات حادة رئيس الحكومة شريف إسماعيل بسبب موقفه السلبي من الأحداث رغم أنّه يرأس وزير الداخلية سبب الأزمة، ما يجعل كل الاحتمالات مفتوحة، خصوصاً مع وجود أصوات تطالب بمقاطعة الصحف رداً على موقف أصحابها من وزارة الداخلية. وقد قرر مجلس نقابة الصحافيين منح الجهات المعنية مهلة حتى الثلاثاء المقبل. وفي حال عدم الاستجابة للمطالب، سيدرس إمكانية الدعوة لإضراب عام للصحافيين واحتجاب الصحف تدريجاً.