ستحتشد صالة «مسرح المدينة» في أوائل عروض «مجنون يحكي» بجمهور انتظر زياد الرحباني على خشبة المسرح طوال عقدين منذ آخر أدواره في مسرحيته «لولا فسحة الأمل» (1994). لطالما مثّل هذا الفنان متنفّساً للمواطن اللبناني من خلال إبداعاته المسرحية الغنائية التي عُدَّت مفصلاً في تاريخ المسرح اللبناني بطروحاتها للأوضاع المحلية السياسية والاجتماعية على نحو مثير للجدل منذ عام 1973 حتى عام 1994، فضلاً عن إبداعاته الموسيقية المستمرّة.
تأرجحت الشخصيات المسرحية التي جسّدها الرحباني بين أدوار ترمز إلى السلطة بصورتها الهزيلة حيناً، ودور المواطن المسحوق أحياناً. هذه الشخصيات صارت أشبه بشخصيات منمّطة تداولها اللبنانيون في حياتهم اليومية لأنها تعكس واقعية تهكّمية بخصوصيتها اللبنانية.
اليوم، يفاجىء الرحباني الجميع كعادته من خلال تقديم نفسه كممثل فقط في «مجنون يحكي» من دون التدخل في العناصر المسرحية الأخرى كالنص والإخراج وحتى التأليف الموسيقي، مما يعدّ استثناءً في مسيرته المسرحية.
شاهد الرحباني «مجنون يحكي» في مسرح «الجامعة اللبنانية الأميركية» حين عرضتها لينا خوري قبل أشهر ضمن إطار طلابي ثم وافق على المشاركة فيها «دغري» على حد تعبيره بعدما عرضت عليه مشروع إعادة تقديمها مع طاقم محترف. لم يكتب الرحباني النص هذه المرة، لكن بمجرد أن وافق على المشاركة تمثيلاً، يعني أنه يحمل رسالة النص بحذافيرها (مقتبس عن نص عالمي). بعد 20 عاماً على الانقطاع و20 عاماً قبلها أدى فيها أدواراً عديدة من بينها الشرطي (مسرحية «المحطة» /1973 للأخوين الرحباني وأول ظهور له على المسرح، و«ميسم الريم») وزكريا («نزل السرور»، و«بالنسبة لبكرا شو») ورشيد («فيلم أميركي طويل») و«الضابط» («بخصوص الكرامة والشعب العنيد» و«لولا فسحة الأمل»)، يؤدي الرحباني اليوم دور الطبيب النفسي الذي يمثل أداة للقمع من قبل السلطة السياسية في العالم العربي، متناولاً بذلك الأوضاع السياسية الراهنة. ويبقى السؤال مفتوحاً للجمهور اللبناني غداة الافتتاح الليلة: الى أي مدى سيتقبّل هذا الجمهور زياد الرحباني في مسرحية موسيقية لا تحمل صبغة محلية «زياديّة» بكل ما لهذه الكلمة من مخزون معنوي وفني في ذاكرة المسرح اللبناني؟