تحت الرقم 158، تُعرض اليوم لدى «مزاد فيليبس» في نيويورك لوحة غير مؤطّرة لصورة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، التي تعدّ إحدى الرسومات الأكثر شهرة من أعمال عرّاب «البوب آرت» آندي وارهول (1928 – 1987). ويتوقع الخبراء أن تُباع هذه النسخة الموقعة من رسّامها بحدود الـ 50 ألف دولار أميركي. وتنتمي «ماو» إلى مجموعة من 199 لوحة في خمسة مقاييس، أُنجزت بين عامَي 1972-1973 بعد زيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون التاريخية الصين في عام 1972، وعرضت للمرة الأولى في معرض لأعمال الفنان الأميركي الراحل استضافه «متحف غالييرا» في باريس في أيار (مايو) 1974، وبعدها في زيوريخ (سويسرا) ونيويورك قبل أن تتوزع على عدد من المتاحف الأميركيّة ومجموعات خاصّة. تلتقط «ماو» لحظة الوعي السياسي التي شغلت الفنان الاستثنائي في أوائل سبعينيات القرن العشرين وتجسيداً لمنعطف مهم في مسيرته المهنية، إذ كانت أول أعماله بعد عودته إلى الرسم على الشاشة الحريرية وبمعالجة أفصح تعبيراً من أعماله الأولى، بعدما كان قد كرّس نفسه للتصوير منذ عام 1965.


حصلت مجموعة اللوحات (وهذه المعروضة للبيع واحدة من 34 تنويعاً على صورة الزعيم التاريخي للحزب الشيوعي الصيني من الحجم المتوسط) على إشادة فوريّة عالميّة من النقّاد. لقد كان «ماو» خياراً رائعاً في توقيت مثاليّ لعمل أيقونيّ عن الصين التي استقبلت لتوّها زعيم العالم الرأسمالي، وكتب عنها بوب كولاسيلو، رئيس تحرير مجلّة «إنترفيو»: «لقد كانت مثيرة للجدل، ومهمة ثقافياً، وساخنة تجارياً، تماماً مثل الرّجل الذي صوّرته، ومثل الرّجل الذي رسمها».
ويروي كولاسيلو، الذي كان من الدائرة الاجتماعية المقربة من وارهول، أنّ فكرة سلسلة لوحات «ماو» بدأت من برونو بيشوفبيرغر، الوكيل التجاري لأعمال الفنان الأميركي، الذي كان يدفع به للعودة إلى الرسم. تصوّر برونو كان أنّه يجب على وارهول أن يرسم أهم شخصية في القرن العشرين. واقترح لذلك ألبرت آينشتاين صاحب نظرية النسبية، فكان تعليق وارهول: «هذه فكرة رائعة. لكنني كنت أقرأ للتو في مجلة «لايف» أنّ أشهر شخص في العالم اليوم هو الرئيس ماو. ألا يجب أن تكون الشخصية الأهم هي الأكثر شهرة يا برونو؟».
كانت الإطلالة الرسمية للزعيم الصيني في الستينيات والسبعينيات، أثناء مرحلة الثورة الثقافية في الصين (1966-1976)، واحدةً من أكثر الصور الفوتوغرافية استنساخاً في العالم. وقد جسّد كل الدوافع المثيرة للفتنة عند وارهول: فالسياسة تجمع عنده بين موضوعين طالما شغلاه طوال حياته الفنيّة: القوّة والشهرة. وبتحويل صورة الزعيم الشيوعيّ إلى ما يوحي بمنتج رأسمالي متسلسل، بدا كأنّه يتلاعب بصياغة العلاقة بين طرفي المعادلة ساخراً ومعجباً في آن واحد، وكرّر تعامله مع ماو سواء بأداة الرسم وطريقته تماماً كما فعل مع صور المشاهير/ الأيقونات في الغرب مثل مارلين مونرو. إنّها تأمل عميق في عبادة الأفراد التي توحّد بين الشرق والغرب رغم كل تناقض أيديولوجي ونقد فكاهي لنماذج السلطة المتعارضة في أيام الحرب الباردة، فيما تعدد اللوحات، والتلوين الفاحش المتباين بين كل منها يستكشف منطق الشهرة واختلاف الرؤى بيننا للأيقونة ذاتها، مع إضافة لمسته الشخصية العابثة عبر خطوط إيمائية سوداء تتقاطع بوحشية مع مساحات الألوان الجريئة.
وارهول المهووس بالثقافة الشعبية والمشاهير والإعلانات، كان أبرز فنّاني «البوب آرت» في الولايات المتحدة في ستينيات القرن العشرين. وبعد مهنة مبكرة كرسام تجاري، حقق شهرة عالمية عبر سلاسل ثورية من المطبوعات بالشاشة الحريرية عن الأشياء اليومية والمألوفة، مثل علب حساء كامبل، ووجوه المشاهير، وأحذية النساء، محدثةً ثورة كاملة في صناعة الفن. وقد أنتج أيضاً كمخرج عدداً من الأفلام الطليعيّة، إضافة إلى إدارته لفرقة الروك التجريبية The Velvet Underground وتأسيسه مجلة «انترفيو». وقد ظلّ شخصية مركزية وجدلية في المشهد الفني والثقافي في نيويورك حتى وفاته المفاجئة في عام 1987.