تصوّر الفنّانة اللبنانيّة إيمان طفيلي مجتمعاً صعب المنال. ففي معرضها الذي اختُتم أخيراً في غاليري «كليم»، تجمع طفيلي صور الأبنية مع الأقمشة وتربطها ببعضها عبر درزات ماكينة الخياطة، لتشكّل لنا عالماً يتناغم فيه وجود المرأة مع وجود الرجل تحت عنوان «خلف الخطوط». تبلغ إيمان الـ 55 من عمرها، أمضت 15 منها وهي تعتني بزوجها المريض الذي لم يفارق السرير، وأطفالها المراهقين. تفصح بأنّها اختارت في تلك المدة من حياتها، ارتداء الحجاب، ظنّاً منها أنّها تحمي نفسها من المجتمع الذكوري. توفيَ زوجها، وكبر أولادها وهاجروا، وقررت هي الالتحاق بكليّة الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانيّة لتتخرج بدرجة الماجستير من قسم الفنون التشكيليّة. وها هي اليوم فنانة تشكيلية أقامت معرضها الفرديّ الذي ضم 25 لوحة، أنجزتها بمواد مضادّة، ونجحت في جمعها بأسلوبٍ متجانس.
من شبّاك منزلها، تلتقط صوَر الأبنية التي تحيط به، تُلصق هذه الصور مع قطع قماش اجتزأتها من مناديل رأسها، ثمّ تجمع هذين العنصرين مع بعضهما بواسطة ماكينة الخياطة. ترى طفيلي أنّ هذه الأبنية، بخطوطها المستقيمة، تمثل صلابة الرجل. أمّا الأقمشة فتمثل رقّة المرأة وانسيابها، فتجمعهما في عملٍ واحد لأنّها لا تطالب بإلغاء دور الرجل في نضالها لتحقيق المساواة. هي فقط تحلم بمجتمع منصف، تتوازن فيه علاقة المرأة مع الرجل. أمّا ماكينة الخياطة، التي تنتج عنها قطب متطابقة في شكلها وحجمها، فهي ترمز إلى النظام الذي يُنشئ نساءً متشابهات تماماً مثل هذه القطب. ترى طفيلي أنّ مجتمعنا، يخفي عن المرأة حقيقة الخيارات المباحة لها، ويحدها باحتمالاتٍ معيّنة، ليقولبها في دور واحد يتشابه مع أدوار باقي النساء، مضيفةً: «المجتمع يريدني أن أعيش الحياة التي عاشتها أمّي، ويفرض على ابنتي أن تعيش مثلي ويحدّها بالخيارات التي حدّني بها».
تُخفي الفنّانة في لوحاتها وجه المرأة التي تصوّرها، ليتساءل المشاهد عن هذه المرأة المجهولة التي تتنقل من لوحة إلى أخرى، فتوضح طفيلي بأنّها جميع النساء. رغم أنّها انطلقت من تجربتها الشخصيّة لتنجز هذه الأعمال الفنيّة، إلّا أنّها تطال مكنونات كلّ امرأة عايشت الزواج والأمومة ووفاة الزوج أو حتّى المرأة التي عايشت ضغط المجتمع حين اتخذت قراراً بعدم الزواج. تشكّل في لوحاتها زوايا سوداء، ترمز عبرها للحدود التي رسمها المجتمع للمرأة وأوجب عليها عدم تخطّيها، ثمّ تقابل هذه الزوايا بمساحات بيضاء مريحة، تدعو عبرها النساء إلى كسر الحدود من أجل الحريّة.
وما يضيف قيمة أكبر على القضيّة التي تطرحها الفنّانة، هو الصدق. تولّد الأعمال شعوراً بشفافيّة الفنّانة في طرحها للموضوع. هي لا تحاول ركوب موجة التيّارات والجمعيات «النسوية» بل تشارك تجربتها التي أسهمت في تكوين شخصيتها الحاليّة. تحاول أن تقول ما لم تبح به من قبل، وتفصح للنساء الشبيهات عن الخيارات الكثيرة التي لم تعلم هي نفسها بوجودها من قبل.
تصوّر إيمان طفيلي عبر 25 لوحة متنوعة المواد، المجتمع الذي تحلم به، حيث يتعامل أفراده مع بعضهم على مبدأ الإنسانيّة، وليس بناءً على الجنس. ولدى سؤالها عن صعوبة بناء هذا المجتمع، تجيب: «لا أرى الأمر صعباً، ليبدأ كلّ إنسان بنفسه، ويتعامل مع الغير برقي من دون أن يعامله على أساس جنسه».