منذ عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، والمقاومة الفلسطينية تحقّق أهدافاً جمّة ومتنوّعة لا يمكن حصرها فقط في الجانب العسكري من حيث التخطيط العبقري والتنفيذ المذهل، وعدد الأسرى الذين احتجزتهم، واستهداف جنود الاحتلال الذين تعمّدوا قصف بيوت المدنيين وقتل الغزّيين وقنص المسنّين والأطفال. نجحت المقاومة أيضاً في دحض السرديات الصهيونية المتعلّقة بالحرب عبر إعلامها والصور التي تنشرها يومياً من أرض المعركة، في حين كان جيش العدو يحاول تقديم واقع وهمي لا أصل له عن هذه المعركة عبر خطابات مسؤوليه وفبركة الصور والتضليل الإعلامي والافتراضي، فجاءت المقاومة الفلسطينية متصدّية لتضليلاته وكذبه. تقدّم هذه المقالة طرحاً مفاده أنّ «كتائب القسام» لعبت دوراً شبيهاً بما فعله «مورفيوس» في فيلم «ماتريكس» الشهير(1999)، متتبّعة عبارة الفيلسوف الفرنسي جان بودريار: «مرحباً بكم في صحراء الواقع»، لتظهر للقارئ الفارق بين الواقعين: المصطنَع والحقيقي، وكيف استطاعت المقاومة إيقاظ الجميع من الوهم الذي اصطنعه الاحتلال لمجتمعه ولكل العالم.
في فيلم «ماتريكس»، حين يلتقي «مورفيوس» (لورانس فشبورن) الذي يمثّل دور قائد مجموعة المقاومة/ الأحرار خارج سيطرة نظام الماتريكس، بالبطل «نيو» (كيانو ريفز)، يجيبه على سؤاله المتعلّق بماهية الماتريكس: «إنها في كل مكان، موجودة حولنا باستمرار. بإمكانك رؤيتها من نافذة الغرفة، أو حتى عندما تشغّل التلفزيون. إنّها العالم الذي يُغطّي عينَيك لِخداعك، حتى يعميك عن الحقيقة».
يسأله نيو عن أي حقيقة يتحدّث، فيجيبه: «حقيقة أنّك عبدٌ يا نيو، مثل أي شخص آخر. لقد وُلدتَ في العبودية، وُلدتَ في سجنٍ لا يمكنك شمّه، تذوقه، أو حتى لمسه، سجنٌ لعقلك». يمنح مورفيوس نيو حرية الاختيار، عارضاً عليه أن يتناول إحدى الحبّتَين: «هذه فرصتك الأخيرة، لا يمكن الرجوع بعد هذه اللحظة. إذا أخذت الحبة الزرقاء تنتهي القصة وتستيقظ في فراشك مصدقاً ما تريد تصديقه. وإن اخترت الحبة الحمراء، تبقى في ووندرلاند وسأريكَ مدى العمق الذي يمكن أن يصل إليه جحر الأرنب».
تمثّل الحبة الزرقاء اختيار البقاء في الماتريكس، الواقع الوهم والخادع، الاصطناع أو الـ Simulation وفقاً لتعبير الفيلسوف الفرنسي جان بودريار (1927-2007)، فقد كانت صانِعتا الفيلم الأختان وتشاوسكي متأثرتين بنظريات بودريار وكتابه «المصطنع والاصطناع» (Simulacra and Simulation)، الذي يظهر في الفيلم أيضاً (راجع ملحق «كلمات» 23/12/2023). يُمنح «نيو» فرصة البقاء في هذا الواقع الوهمي الذي خلقه الذكاء الاصطناعي للسيطرة على البشر وعقولهم، أو رؤية الحقيقة عبر تناول الحبة الحمراء التي ستجعله يرى الواقع الفعلي من دون تأثير الماتريكس. إنّ اختيار اللون الأحمر للحبة ذات التأثير الواقعي لم يأتِ عبثياً، فالأحمر في نظرية الألوان هو لون قوي ظاهر يرمز إلى القوة والثقة والاندفاع، ويوصف بأنّه physical color، أي يحثّ على الحركة والاندفاع للقيام بفعلٍ أو تغيير. كما اعتمدته حركات ثورية كثيرة في العالم في شعاراتها؛ فالتغيير الفعلي يأتي عبر الثورات، وأحياناً كثيرة بالعنف والحرب والدم. أمّا الأزرق، فيُعدّ لوناً بارداً قد يوحي أحياناً بالهدوء والسلام، لكنه يرتبط بالحزن والكآبة ويدفع بالمتلقّي إلى الارتخاء.
«مرحباً بك في صحراء الواقع»، يقول «مورفيوس» لـِ«نيو» حين يستفيق من الواقع الافتراضي الذي بناه الماتريكس للبشر. يرى الحقيقة كما هي: جغرافيا مهجورة مزّقتها الحرب لكنها مذهلة بواقعيّتها. استعار صنّاع العمل العبارة من المنظّر الثقافي جان بودريار حين وصف بها «الواقع المفرط» الذي نعيشه اليوم بسبب تطوّر التكنولوجيا والتدفق السريع للصور والفيديوات المعالَجة والخاضعة للتعديلات والتغييرات عبر وسائل الاتصال الجماهيرية. هذه الصور والأخبار التي يُفترض أن تكون نسخة عن الواقع تقدّم «تمثيلاً مخلصاً» يشبهه إلى حدٍ كبير، نجدها بفعل المؤثّرات البصرية والرقمية والإضافات الافتراضية من رموز وذكاء اصطناعي وغيرهما، لا تهدّد الواقع الأصلي فقط، بل أيضاً تحاكي واقعاً مُختلقاً لم يعد له أي صلة بالحقيقة. كان بودريار قد كتب في الأصل: Welcome to the desert of the real، معلّقاً على قصةٍ قصيرة للكاتب الأرجنتيني خورخي بورخيس تتحدث عن خريطة أمرَ أحد الملوك رسمها بدقة لإمبراطوريته حتى انتهى بها المطاف أن جاءت بحجم مساحة الإمبراطورية نفسها. يشرح بودريار أنه مع مرور الزمن وانحدار الإمبراطورية ومجيء الأجيال اللاحقة وغيرها من العوامل، لن يعود الفارق بين الخريطة والإمبراطورية واضحاً، ولن نستطيع بعدها فصل الاثنتين أو التمييز بين الأصل والرمز/ الصورة؛ وهذا ما يطلق عليه تسمية «الواقع المفرط». تأثّر الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك (1949) أيضاً بعبارة بودريار واستخدمها عنواناً لكتابه «مرحباً بك في صحراء الواقع» (2002) الذي يدور حول أحداث 11 سبتمبر وعودة الأميركيين إلى الواقع. اعتبر جيجيك أن تفجير برجَي التجارة العالميين كان حدثاً صادماً أيقظ الأميركيين من سباتهم وعالمهم الافتراضي وأعادهم إلى الواقع.
في العودة إلى العدوان على غزة و«معركة الطوفان»، نسأل عن الواقع المفرط الذي يقدّمه الاحتلال الصهيوني بحكومته وخطاباته وإعلامه الكلاسيكي والرقمي، وكيف جاءت ردة فعل المقاومة الفلسطينية على ذلك الواقع. هل كانت عملية «طوفان الأقصى»، وما تبعها من إنجازات عسكرية وإعلامية، الحبة الحمراء التي أيقظت الشعوب العربية والعالمية من سبات العالم الافتراضي إلى «صحراء الواقع»؟
قبل «طوفان الأقصى»، كان الكيان الاستيطاني في فلسطين يُظهر فائض قوة، معتبراً أنّه بالدعم الغربي والعالمي لوجوده، قد اقترب من التخلص من «المشكلة الفلسطينية». كان ذلك يظهر جلياً ليس فقط في غطرسته العسكرية تجاه الفلسطينيين، بل أيضاً في معاهدات السلام والتطبيع مع بعض الدول العربية، والأهم في سياسته الداخلية التي تحكم البلاد. يشرح المؤرخ اليهودي المعادي للصهيونية إيلان بابيه في محاضرته في جامعة «يو سي بيركلي» (راجع الأخبار 4/11/2023) أنّ «الحرب الأهلية الثقافية» في الكيان بين المتديّنين والعلمانيّين كانت قد برزت في السنوات الأخيرة، وخصوصاً في التظاهرات الحاشدة التي خرجت للاحتجاج على تعديل الدستور، وعلى نوع الحياة اليهودية بين ديومقراطية علمانية تعددية على النسق الأوروبي، ويهودية مسيحية ثيوقراطية. لكن اللافت أنّ قضية الاحتلال والوجود الفلسطيني العربي لم تكن من بين القضايا المطروحة لأنّه كما أشار بابيه نقلاً عن الصحافية عميرة هاس في «هآرتس»: «طالما أنّ الإسرائيليين غير قلقين، فإن الاحتلال غير موجود، بمعنى أنه لم يعد مشكلة بعد الآن، بل جرى حلّها». كان العدو الصهيوني يصدّر باستمرار صورته إلى الغرب من تطوّر تكنولوجي وتقني وتحضّر وعلم وسياحة دينية و«ثقافية»، مخاطباً الشعوب الغربية بأنّه مثلها يتمتع بنمط حياة غربي، مثلما استضاف مسابقة ملكة جمال الكون (2021) وأخذ المتسابقات في جولات سياحية داخلية شاركنَ خلالها في تحضير أطباق البلد التقليدية (الأطباق الفلسطينية طبعاً مثل المسخّن وورق العنب) وتصوّرت كل منهن في أثواب فلسطينية مختلفة التطريزات. كان الاحتلال يستغل تاريخ الاضطهاد الأوروبي لليهود في الحرب العالمية الثانية (وما قبلها)، ويقدّم نفسه بدور الضحية حتى يحافظ على مكاسب متعددة من بينها المساعدات المالية التي تدفعها ألمانيا على وجه الخصوص اعتذاراً عن الهولوكوست، وتدفعها أميركا تحت مسميّات أخرى. ويمكن القول إنّه نجح كثيراً في تقديم صورة اليهودي الأوروبي المحاط ببلادٍ عربية «معادية للسامية»، و«متطرفة»، و«متخلّفة»، مثلما أظهر حركة «حماس» وكل حركات المقاومة الفلسطينية بصورة «المنظمات الإرهابية». إضافة إلى ذلك، بنى الاحتلال الاستعماري لنفسه سمعةً مهيبة ترسّخت في أذهان الشعوب العربية بالتحديد، ما صعّب عليها فكرة المقاومة المسلّحة ضد «الجيش الذي لا يُقهر»، وتكنولوجيته الاستخباراتية التي تراقب الفلسطينيين والعرب في كل مكان وتعرف عنهم «كل شيء»، وتغتال من تشاء أينما تشاء. كان كل ذلك حتى السابع من تشرين الأول الذي شكّل ضربة أفقدت الاحتلال توازنه وجعلته يتخبّط في قراراته ويُسقط عنه قناع الإنسانية والضحية بسرعة غير مسبوقة.
منذ عملية «طوفان الأقصى»، ومع موقف الحكومات الغربية الداعمة بالكامل للاحتلال الصهيوني ومجيء سياسيّي الدول الكبرى للوقوف إلى جانب رئيس وزراء العدو، حاولت قوات الاحتلال المحافظة على صورتَين: التظاهر بسيطرة الحكومة والجيش على الحرب وفبركة الإنجازات العسكرية، والاستمرار في لعب دور الضحية في وجه «الإرهاب» الفلسطيني. استخدم الاحتلال وسائل الإعلام التقليدية والرقمية من جرائد وقنوات تلفزيونية ومواقع إلكترونية إخبارية ومنصّات التواصل الاجتماعية وأدوات صناعة الصور والتأثير البصري مثل الذكاء الاصطناعي، لنشر الأخبار الكاذبة والمضلّلة. لم يفوّت العدو أي فرصة لمشاركة الأخبار والصور الوهمية، فتناقل الرئيس الأميركي جو بادين خبر أنّه رأى صور «الأطفال الإسرائيليين الذين قطعت «حماس» رؤوسهم في مستوطنات غلاف غزة» الذي حمله من كذبة أطلقها بنيامين نتنياهو. والحقيقة أنّ ليس هناك من أطفال قطعت رؤوسهم سواء كانوا يهوداً أم لا، وليس هناك من صورٍ لما زعمه كلاهما. كما تناقل الإعلام العبري خبر «اغتصاب جماعي وعنف جسدي» للفتيات اللواتي كنّ في المهرجان يوم تنفيذ عملية «طوفان الأقصى»، وخرج نتنياهو قبل ثلاثة أسابيع في خطاب وقح يخاطب منظمات حقوق المرأة والجمعيات النسوية ويتهمها بالتقصير تجاه النساء اليهوديات اللواتي تعرضن «للتحرش الجسدي والعنف والاغتصاب على يد حماس».
حاول العدو الصهيوني التظاهر بسيطرته العسكرية ونشر فيديوات مضلّلة عن «مستشفى المعمداني» قبل تنفيذ المجزرة الوحشية، وصنع فيديو مفبرك عن «مستشفى الشفاء» قبل قصفها والاعتداء عليها والتنكيل بالموظفين فيها، نشره الصهيوني إيدي كوهين، حيث تدّعي فتاة أنها ممرضة فلسطينية وأنّ مقاتلي «حماس» يسرقون الأدوية والوقود. اتضح في ما بعد أنّها ممثلة مكسيكية تعيش في كيان الاحتلال وتدعى هانا. وأخيراً انتشرت على منصّة تيك توك فيديوات لمجنّدات صهيونيات يرقصن ببعض الإيحاءات الجنسية، وأخرى تظهر الجنود يحتفلون ويشاركون «غنائم» حصّلوها من اقتحاماتهم وسيطرتهم على بيوت الفلسطينيين في غزة.
كسر السابع من أكتوبر صورة الكيان ذي التكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية المتفوّقة


عبر هذه الفيديوات والصور التي يدّعي بأنّها من واقع الحرب، يحاول العدو الإيحاء بأنّه نجح في عملياته العسكرية. ومن فرط سيطرته، فإنّ مجنّديه في وضع عسكري جيّد يسمح لهم بالمرح وتسجيل المقاطع المصورة هنا وهناك. لكن في الحقيقة، هذه الأخبار بمجملها ما هي إلّا صور مصطنعة لم يعد لها أصل، وتمثل جزءاً من «الواقع المفرط» الذي تقدّمه وسائل الإعلام المشبّعة بهدف غواية الجماهير والتأثير النفسي عليها.
يشكّل الواقع المفرط والحياة المصطنعة التي يقدّمها الاحتلال الاستيطاني في فلسطين عالماً شبيهاً بعالم الماتريكس، ليس مطابقاً من حيث الذكاء الاصطناعي الذي أدى بالآلات للسيطرة على البشر واحتلال عقولهم، إنّما بفكرة العالم الوهم الذي نجح في إشباع الناس بالصور التي تبدو في ظاهرها واقعية، لكنّها في أصلها فارغة من جوهرها ومضمونها. وهنا نسترجع مشهد «مورفيوس» والحبّتَين، لنسأل كيف استطاعت المقاومة الفلسطينية إيقاظ البشر من عالم «الماتريكس»... ماتريكس العدو الصهيوني الذي أعمى عقول وعيون الناس عن الحقيقة الفعلية؟ تبدأ القصة في إبداع التخطيط والتنفيذ لـ «عملية الطوفان» بحيث تحدّت المقاومة الفلسطينية أسطورة «الجيش الذي لا يُقهر»، وأثبتت أنّها تستطيع أن تقف في وجهه وإن ساندته مجموعات من المجنّدين المرتزقة وغيرهم من القوات الأميركية والأوروبية. ويمكن القول إنّ نجاح المقاومة في الخروج من غزة المحاصرة بجدار يمتد من تحت الأرض إلى فوقها، والكثير من كاميرات المراقبة والقواعد العسكرية والكيبوتسات اليهودية المحيطة بقطاع غزة، كسرت صورة الكيان ذي التكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية المتفوّقة، ونسفَت الـ«بانوبتيكون»، فكرة برج المراقبة المركزي المرتبط بالسلطة (الأخبار 18/11/2023). أجبرت المقاومة الفلسطينية العالم كله على أن يلتفت إليها وإلى القضية الفلسطينية وسجن قطاع غزة الذي كان غائباً عن الصورة العامة لعقود مضت، عندما عادت ومعها ما يزيد عن المئتين من الأسرى الأجانب والإسرائيليين، تفاوِض فيهم العدو للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين والعرب.

«مرحباً بك في صحراء الواقع»، يقول «مورفيوس» لـِ«نيو» حين يستفيق من الواقع الافتراضي


منذ أن بدأ العدوان الهمجي على القطاع، أخذ العدو ينشر تلك الصور والأخبار الوهمية التي ذكرناها في الأعلى، لكن إعلام المقاومة العسكري تصدّى لها أولاً بأوّل عبر نشره لمواد خام مصوّرة من أرض المعركة. وحين أضاف رموزاً ومؤثرات خفيفة على بعض الفيديوات، جاءت بهدف إيضاح الصورة والتأكد من وصول المعلومة الصحيحة للجماهير، إضافة إلى تحوّل الغزيّين بكاميرات هواتفهم الذكية إلى مراسلين من أرض المعركة، يوثّقون استهداف المدنيّين في مدارس الإيواء والمرضى في المستشفيات، وارتكاب المجازر وسحب النساء من بين النازحين للاعتداء عليهن واعتقالهن من دون أي مبرّر. هذه الصور الحقيقية شاهدها الملايين حول العالم، فخرجوا في تظاهرات حاشدة في المدن الأميركية والأوروبية رافضين استمرار العدوان على غزة ومندّدين بقرارات حكومات بلادهم الداعمة للصهيونية. كما انتشرت فيديوات كثيرة على منصّات التواصل الاجتماعي، ولا سيّما التيك توك، لأجانب يردّدون عبارات من نوع: «كنّا مضلّلين»، «غسلوا أدمغتنا منذ الصغر وجعلونا نتعاطف مع إسرائيل»، «لم نكن نعلم شيئاً عن غزة»، «نحن مصدومون من ازدواجية المعايير التي يتعامل فيها الغرب مع الفلسطينيين»، «اكتشفنا أن الإنسانية والعدالة والمساواة غير موجودة في هذا العالم»... تشكل هذه المواقف ردة فعل الشعوب التي اعتبرت أنّها كانت مُضلّلة لعقود، وللحقيقة أسهم في ذلك تخلّي الاحتلال بسرعة غير مسبوقة عن قناع الحضارة والإنسانية، وخرجت على ألسنة مسؤوليه لغة فاضحة تبرّر القتل والعنف والإبادة والحرق لكل مقوّمات الحياة ولكل ما يتحرّك في غزة، فجاء على لسان وزير دفاع العدو في بداية العدوان قوله: «نحن نحارب حيوانات بشرية» مبرّراً حصاره وقطعه الماء والطعام والكهرباء عن الفلسطينيين في القطاع. كما ساعدت شهادات المحتجزين الذين أفرجت عنهم «كتائب القسام»، إذ نقلوا المعاملة الحسنة التي تلقّوها من مقاتلي «القسّام»، ونفوا كل الشائعات التي نشرها العدو عن تعرّضهم للاعتداء والعنف، وشهدت على ذلك أيضاً لغة جسدهم خلال تسليمهم إلى الصليب الأحمر (الأخبار 2/12/2023).
إن ردة فعل الشعوب التي خرجت للضغط على حكوماتها من أجل إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار بشكل نهائي، وقاطعت الشركات الداعمة للاحتلال وكل منتجاتها حتى استطاعت الحد من أرباحها كما حدث مع «ستاربكس»، تشير إلى تأثير المقاومة الفلسطينية في نزع الغشاء عن عقول الجماهير قبل أعينها. ويمكن القول إنّها أعادتنا إلى «صحراء الواقع» في زمن طغى عليه «الواقع المفرط» بحيث لم نعد نستطيع التمييز بين ما هو حقيقي وما هو افتراضي أو وهمي، كأنّ المقاومة أعطت الجماهير فرصة الاختيار بين الحبتَين: الزرقاء لمن يفضّل البقاء في الوهم، والحمراء لمن يختار بكامل وعيه أن يستفيق من عالم الماتريكس إلى حقيقة الواقع الفعلي. إن كنتم ترون رمز المثلث الأحمر المقلوب في المواد المصوّرة الأصلية التي ينشرها إعلام المقاومة وأنتم مبتسمون، فقد استيقظتم من الماتريكس.