تونس | حرب الإبادة التي يواجهها قطاع غزة منذ حوالى ثمانين يوماً، أعادت إلى واجهة المكتبات بعض الإصدارات حول القضية الفلسطينية والحركة الصهيونية التي أُعيد نشرها في طبعات جديدة. لكنّ الحدث الأبرز هو صدور مسرحية قُدّمت على الخشبة في عرض واحد في خريف عام 1982 ومنعتها وزارة الثقافة التونسية من العرض آنذاك! تحمل المسرحية عنوان «الأخطبوط أو دير ياسين وشاتيلا» للمؤرخ محمد العربي السنوسي المختصّ في تاريخ الحركة الصهيونية في الجامعة التونسية.

قُدّمت المسرحية لأوّل وآخر مرّة في تونس في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1982 وكانت من إنتاج «فرقة بلدية تونس للتمثيل» أعرق فرقة مسرحية في تونس (تأسّست في عام 1955) وأخرجها البشير الدريسي، أحد ألمع مخرجي الفرقة. علماً أنّ المسرحية كُتبت بعد اجتياح القوات الإسرائيلية لبيروت ومن ثمّ ارتكابها مجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول (سبتمبر) 1982.
في تقديمه لهذه المسرحية الصادرة عن «دار خريف للنشر» ضمن سلسلة «مسرح»، يقول محمد العربي السنوسي عن ظروف كتابتها: «أثناء حصار بيروت عام 1982، خطرت لي فكرة الكتابة عن الموضوع، معتمداً على التاريخ والتقارير الصحافية المستجدّة». ويُضيف: «بحكم اختصاصي في الدراسات الصهيونية، إذ قدّمت في إطار الجامعة التونسية بحثاً حول الصهيونية في تونس، للحصول عام 1980 على شهادة التعمّق في البحث العلمي (ما يعادل الماجستير حالياً)، أردت تقديم الوجه الآخر من الصراع العربي الصهيوني، أي شرح الأسس العدوانية والعنصرية التي بنيت عليها الصهيونية لا إزاء العرب فقط، بل أيضاً إزاء اليهود أنفسهم». وكشف عن تفاصيل منع المسرحية من العرض بعد عرضها الأوّل وبرمجة نحو مئتي عرض في مختلف جهات تونس: «في اليوم الأوّل من تشرين الثاني (نوفمبر) 1982، أصدر وزير الثقافة آنذاك، البشير بن سلامة، قراراً بمنع المسرحية منعاً باتّاً، لا بعرضها فقط، بل حتّى بنشرها». حينذاك، فسّر الوزير بن سلامة (1921-2023) منع المسرحية بـ«مخاوفه من إثارة تظاهرات واحتجاجات ضد سفارات الدول الغربية». ويضيف السنوسي: «أرتأينا نشر هذه المسرحية حتى يفهم العرب نوعاً ما أسس الأيديولوجيا الصهيونية الرامية بالوكالة عن الغرب، وخصوصاً المبشرين البروتستانت الأميركيين». وتضمّنت المسرحية أربعة عشر فصلاً، إذ أدّى الممثل الراحل الشريف العبيدي (1936-2020) دور مناحيم بيغن كما شارك فيه المنصف بلحاج يحي، وفرحات الجديد وصالح الرحموني وغيرهم.
نامت هذه المسرحية في الرفوف أكثر من أربعين عاماً لتنفض عنها حرب غزة الغبار وتُعيدها إلى الواجهة، وخصوصاً أنّ محمد العربي السنوسي لم يُعرف ككاتب مسرحي بقدر ما عرف كمؤرّخ ومترجم ترجم عدداً كبيراً من كتب الرحّالة الذين مرّوا بتونس.