الموقف الأول: سؤال بنكهة العتاب لم يعد ذلك السرير الصغير في بيتي يتسع لي، بعدما أصبح سامر ابني المدلل يشاركني النوم فيه، فهو لا يستطيع أن يخفي خوفه وقلقه وارتجافه من أصوات الانفجارات الصاروخية التي تشاركنا الساعات والدقائق هنا في غزة. كلما أرخى الليل كحلة على سماء غزة، سامر لا يتوقف عن التفكير والتحديق في سقف المكان، لا يعنيه الانفجار بقدر ما تعنيه أسئلة الأطفال الكبرى: أين سيقع الصاروخ؟ هل الانفجار سيكون مدوياً؟ هل نحن الهدف؟

لذا يتوجب أن ننطق بالشهادتين، ينتهي الحدث عند سماع الانفجار، ونبدأ من جديد في تفاصيل حدث آخر. سامر يسأل، بطريقة معاتبة، عُدنا من غربة في الجمهورية اليمنية منذ سبع سنين، وعشنا هنا ثلاث حروب، يا ترى كم سنعيش هنا وكم حرباً سنشاهد؟
الموقف الثاني: عصفور في قلب العاصفة
يوم آخر يشبه كل الأيام، لكنه الأعنف. ليلة اهتز فيها الحي السكني الذي نقطن فيه، سيل مجنون من القذائف الصاروخية، جعلت المكان أشبه بأرض تموج كأنها تأثرت بزلزال قوي، فيما نحن نراقب أصوات الانفجارات المتتالية. صارت السماء كتلة من لهب وضوء أحمر أو برتقالي لا فرق، من أثر قصف البرج السكني المجاور لنا، شعرت للحظة كأني عصفورة وسط العاصفة، فيما ابني سامر قفز نحوي والخوف يحرك نبض الحياة بداخله. يصرخ وينادي «ماما ماما». هربنا بسرعة الصاروخ الآتي إلى المكان الأكثر أمناً في الشقة ولكن للأسف لا مكان آمن هنا. لكنها لعبة الكبار والصغار في غزة أن نوهم أنفسنا والآخرين أن ثمة مكاناًَ آمن هنا.