في كلّ مرة كتب فيها، كان المفكر البريطاني مارك فيشر (1968 ـــ 2017) يتحدّى قُرّاءه ويدعوهم إلى رؤية العالم من منظور جديد تماماً. قدّم لهم نقداً استثنائياً حول الثقافة المضادة والرأسمالية والثقافة الشعبية، وأثّرت مدونته وكتبه في جيله وطلابه ومتابعيه. من الصعب أن تقرأ لصاحب «الغريب والمحيّر» من دون أن يترك لديك أسئلة حول ما تعرفه فعلاً عن العالم الذي تعيش فيه. حين صدر كتابه «الواقعية الرأسمالية» عام 2009، جاء في وقت مناسب جداً في أعقاب الأزمة المالية وعشية الاحتجاجات الطلابية عام 2010. بيع منه في غضون عامين أكثر من 55 ألف نسخة. قدم فيشر، في عمله هذا، نقاشاً حول الطريقة التي باتت فيها الرأسمالية مغروسة في التفكير الثقافي، كأرض مطلقة لا احتمالات سياسة إلا من خلالها. أخيراً، انتقل إلى لغة كتابه «رغبة ما بعد الرأسمالية ــ المحاضرات الأخيرة» (راجع مقال الزميل سعيد محمد) عن «منشورات تكوين». ضمّ العمل المحاضرات الأخيرة التي ألقاها على طلابه في كلية «غولد سميث» وكانت نواة لمشروع يفكر في بدائل للنظام الرأسمالي، منطلقاً من المحاولات الماركسية والنسوية السابقة في هذا الصدد. كان يُفترض أن يعطي فيشر 15 محاضرة، لكنه أنهى حياته بعد الخامسة، تاركاً لطلّابه وأصدقائه خريطة طريق من الكتب والأفكار.