من أقدم الاحتفالات الإيرانية التي توارثناها عن أجدادنا. تسمّى ليلة يلدا أو «شب چله» (شب يلدا). في الواقع، هذه اللّيلة أطول من كلّ ليالي السّنة، وهي ليلة كان أجدادنا يحتفلون بها كل عام في ليلة الثاني والعشرين من ديسمبر. تماماً مثل النيروز، ليلة يلدا هي بالنسبة لكلّ إيراني، ليلة لإحياء الذكريات التي يحملها من طفولته، من كتابة مواضيع الإنشاء في المدرسة إلى التجمّع حول مائدة يلدا الليليّة (مع العائلة والأجداد)، والجلوس حول الموقد الفارسي التقليدي، وتناول الرّمان والبطيخ والمكسرات.ليلة يلدا: تمتدّ من غروب شمس آخر أيام الخريف، أي 21 ديسمبر، إلى شروق شمس أول أيّام الشتاء، أي اليوم الأول من برج الجدي. وذلك باستثناء السنوات الكبيسة، حيث تكون ليلة يلدا في العشرين من ديسمبر.
جذور كلمة يلدا من اللّغة السريانية وتعني الميلاد أو الولادة. يُذكر في بعض المصادر أنه بعد تديّن الروم بالدّيانة المسيحيّة، أي بعد ثلاثمائة عام من ولادة السيّد المسيح، قبلت الكنيسة أن تحتفل بميلاد «مهر» ــ كما تسمّى في الأسطورة لدى الميترائيّين ــ على أنّه عيد ميلاد المسيح لأنّ يوم ميلاده لم يكن معروفاً بشكلٍ دقيق، حيث يعزو بعض الباحثين التّفاوت بين هاتَين المناسبتَين (يلدا والميلاد) إلى التغييرات التي طرأت على التقويمَين الشّمسي والقمري. بالتالي، رغم أنّ تاريخ الاحتفاء بليلة يلدا ليس معلوماً على وجه الدّقة، إلا أنّ علماء الآثار والمؤرّخين اعتبروا أنّ هذا الاحتفال يعود إلى 7 آلاف سنة، وذلك من خلال الآثار التاريخيّة التي عثروا عليها. لكن، ما هو متعارف رسمياً عن ليلة يلدا، أنّها تعود إلى حوالى خمسمئة سنة قبل ميلاد السيد المسيح، تحديداً في عهد داريوش الأول.
في هذه اللّيلة، خلال الزيارات، يجلس الشباب للمشاركة في حوارات وقصص الشيوخ والإصغاء إليها، والتعلّم من ذكرياتهم وتجاربهم. ومن الأعمال التي تحظى بشعبيةٍ واسعة بين الإيرانيّين في ليلة يلدا:

1) صلة الرحم:
من العادات اللّطيفة والجميلة جداً للإيرانيّين في ليلة يلدا، والتي أوصى بها الإسلام دائماً، أن الله تعالى أمر عباده ألا ينسوا أحبّاءهم. يقول الرسول (ص): «صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمّران الدّيار ويزيدان في الأعمار...».
وعلى ذلك، فليلة يلدا تعني صلة الرحم واجتماع الأحبّة وتبادل الودّ والأحاديث في جوٍّ من الحميميّة والألفة.
يقول الإمام الباقر (ع): «صلة الأرحام تزكّي الأعمال، وتنمّي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسّر الحساب، وتنسئ الأجل: أي تُطيل العمر». ليلة يلدا هي فرصة عظيمة للإنسان لزيارة أقاربه والقيام بهذا التّقليد الجميل.

2) رواية القصص:
في إيران، يجتمع الكثيرون في ليلة يلدا، للاستماع إلى قصص كبارهم وتعلّم الكثير من هذه الذكريات والتجارب. في القرآن الكريم، يلفت الله تعالى نظر العباد إلى القصص القرآنية حيث إنّ جميع القصص تحمل حكمةً ما. أمير المؤمنين علي (ع) يعتبر القرآن الكريم أفضل قصةٍ ودرسٍ وحكمة. تفقد العديد من القصص الدنيوية جاذبيّتها بالنسبة إلى الإنسان بعد تكرارها، ولكن مهما تكرّر كلام الله، فلن يُصبح مكروراً. من الجيّد أن نولي اهتماماً أكبر للقصص القرآنية في ليلة يلدا.

3) فأل حافظ:
عادة في ليلة يلدا يقوم شيوخ الأسرة بفتح فألٍ في ديوان حافظ الشيرازي. بعد فتح الصفحة يبدأون بقراءة القصيدة وبعد الانتهاء من القصيدة يفسّرونها ویتفاءلون بما يُرسله حافظ إليهم من إشارات ورسائل وأحياناً إنذارات ونصائح .

4) قراءة الشاهنامة:
كانت هذه العادة شائعة لفترة طويلة وازدادت رسوخاً بفعل جاذبية حلقات قراءة الشاهنامة الرائجة في إيران.

5) طاولة ليلة يلدا الجميلة:
من أجمل عادات ورسوم ليلة يلدا، الطاولة الخاصة بهذه الليلة، والتي يتم تزيينها بالفواكه المختلفة، سواء كانت طازجة أو مجفّفة، والمكسّرات والوجبات الخفيفة الأخرى، والحلويات المتنوعة، وحرق البخور والحرمل وأشياء أخرى...

6) الرّمان:
وهي الثّمرة الرئيسية لهذه المائدة والتي اعتبرها أسلافنا مصدر البركة. من ناحية أخرى، كان اللّون الأحمر يعتبر دائماً رمزاً للسعادة. عُرفت هذه الفاكهة منذ العصور القديمة بالفاكهة المقدّسة ولها مكانة خاصة في الأديان المختلفة وبين المسلمين.

7) البطّيخ:
يُعدّ البطّيخ كذلك من ثمار ليلة يلدا. لكن قد يكون من الصّعب بعض الشيء تناول هذه الفاكهة في الشتاء نظراً إلى أنّها فاكهة صيفيّة. كان أسلافنا يعتقدون أن تناول القليل من البطّيخ في ليلة يلدا، يقي من البرد والمرض طوال فصل الشتاء. هذا إلى جانب أن البطّيخ، مثل الرمّان، يعدّ رمزاً للبركة.

أخيراً، نظراً لوجود أقوامٍ وأعراقٍ مختلفة تعيش وتتعايش مع بعضها البعض في إيران، فإنّ كلّاً منهم يحتفل بهذه الليلة على طريقته الخاصة. لكن إحدى القواسم المشتركة بين الجميع وإحدى العادات الجميلة والمستساغة والممتعة التي يؤدّيها العديد من الإيرانيّين في هذه اللّيلة هي تقديم الهدايا لبعضهم البعض، وهو ما يشيد به الجميع في التعاليم الدينية وفي الثقافات المختلفة. يقول الرسول الكريم (ص): «تهادَوا تحابّوا».
في النهاية، ليلة يلدا هي مزيج من التقاليد الدينيّة والحضاريّة على حدٍّ سواء. ميلاد مجيد ويلدا مباركة على الجميع...

*الملحق الثقافي الإيراني في بيروت