درجت العادة كل عام في لبنان أن يتداول الفنانون في مناسبة الاحتفال بعيد الفصح أداء التراتيل والترانيم والتهاليل الدينية، سواء في الكنائس أو الاذاعات والتلفزيونات وبقية وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت دائماً وما زالت وستبقى ترنيمة «واحبيبي» التي يختلف اكثرية الناس بمن فيهم الفنانون الكبار على مرجعيتها اللحنية والشعرية. قبل أن نتطرق لمرجعيتها، ألْفت النظر إلى أنه حتى في هذه السنة التي هي سنة جوع وفقر وأزمات خانة، فقد أدى فنانون كبار هذه الترنيمة باصواتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وتميزت بينهم الفنانة والملحنة والمطربة الكبيرة والقديرة السيده جاهدة وهبه التي تتحضر لتقديم عمل كبير يحمل بين ثناياه ترانيم لها نفس الطابع قريباً! أما ما كان مثيراً وجميلاً وملفتاً للنظر هذه السنة فكان ما قدمته «كورال فتيات مدارس مؤسسات الامام الصدر» لهذه الترتيلة الرائعة بتوزيع جديد راق وممتلئ بالثراء والتنويع اللحني، أنجزه بتوزيع خاص له وللكورال مع الاورغ وآلات شرقية أخرى الموزع الموسيقي المرموق الفنان الصديق راجي مصطفى. شاركته شقيقته المايسترا والمربية السيدة ديانا مصطفى الاشراف والتدريب وقيادة الكورال. علماً انهما معاً من ساهما عملياً على بناء هذا الكورال المتفوق بقدرات فتياته الصغيرات اللواتي فزن لمدة عشر سنوات متتالية بجوائز كثيرة كانت آخرها من الجامعة الاميركية خلال مهرجان احياء تراث الفنان الكبير الراحل زكي ناصيف في بيروت. إذ فزن بالجائزة الاولى لاهم كورال مدرسي في لبنان مع إشارة وتنويه من الجامعة الى كونه قد غدا يُعتبر كورالاً محترفاً. ولا بد بعد الاشارة الى الأداء الراقي أن نتطرق لجماليات توزيع الفنان راجي مصطفى الذي تعامل مع مقام الترنيمة وهي على نهوند ال ري (ري مينور) بموهبة وقدرات تميزت باجتهاد وحرفية عاليين في التعامل بحساسية التوزيع الموسيقي المبسّط بما يتماشى مع جو السهل الممتنع الذي اصبغه عليها الأخوان رحباني اللذان اخذا لحن الترنيمة من اجواء الموسيقى الكلاسيكية الايطالية وتحديداً من المؤلف الموسيقي المرموق وقتها Bergolesi ولبنناها على نمط تراث الترتيل السرياني بعدما وضعا لها كلاماً شعرياً منهما، يُقال انهما استمزجا به رأي الشاعر اللبناني الكبير الراحل سعيد عقل! تعامل راجي بتوزيعه الخاص مع الترنيمة بنفس سرعتها لدقيقتين كـ Adagio بطيئة، أضاف إليها في بعض جمل الكورال اصواتاً مُضافة ومتوازية هارمونياً للمرافقة البوليفونية تحت اللحن الرئيسي، فجاءت متجانسة ومتوافقة مع الإئتلافات الموسيقية (أكورات) وبشكل ملائم للترنيمة وبدون تعقيد في الشكل والمضمون. في المجمل، جاءت الترتيلة كما هي اصلاً بمرافقة آلة الأرغن الكَنَسِيَّة. المفاجأة الاجمل والاغنى كانت برأيي الخاص هي في الدقيقة 1:07 حيث أجرى راجي تعديل للحن الايطالي - الرحباني ذي الطابع السرياني بلحن «طلع البدر علينا» الإسلامي والشرق عربي بشكل انسيابي ومناسب، وقد لا تشعر به فوراً الا الأذن التي تحسن الانصات. واللحن هذا على مقام هزام على درجة «فا نصف دييز»، وتتم إضافة مبتكرة فيه لعدة آلات موسيقية شرق عربية بالمجمل في هذا اللحن المعدل بالذات وأبقاها راجي تعزف الالحان لآخر الترنيمة. وهذه الآلات هي العود، الرق، الكمنجات، الناي والبايس غيتار، لتزيد من الرونق الروحي الكنائسي للترنيمة، مع وجود خلفية موسيقية لآلة الناي تعزف لحن الأذان الإسلامي على مقام (حجاز على درجة لا). كما عزف الناي وتلك الآلات عدة لوازم موسيقية في عدة أماكن في الترنيمة وفوقها جميعاً اجرى عزفاً ايقاعياً للرق على إيقاع سماعي دارج. وفي الدقيقة 1:30 يرجع اللحن إلى مقام نهوند على درجة «ري» وإلى نهاية الترنيمة. المهم كانت فكره رائعة في هذا الزمن الصعب دلت على وحدة فنية مضافة فوق الوحدة الدينية التي يجب أن توحّد اللبنانيين بأطيافهم كلها لمواجهة التحديات الخطيرة التي تتربص بنا ويعرف اللبناني أكثر من غيره دور الفن الراقي والملتزم بالانسان فيها!