شكل خبر وفاة الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي (1944-2021)، أمس صدمة للأوساط الشعبية والثقافية. عن عمر 77 عاماً، غادرنا صاحب «رأيت رام الله»، في العاصمة الأردنية، وقد اكتفى نجله الشاعر تميم البرغوثي بنشر اسم والده على صفحته على فايسبوك، لنعيه. البرغوثي المتحدر من قرية «دير غسانة» (رام الله)، كان قد منعه الإحتلال الإسرائيلي لأكثر من 30 عاماً من العودة الى مسقط رأسه، وهو صاحب المقولة الشهيرة في هذا الصدد: «أنا أكبر من إسرائيل بأربع سنوات، والمؤكد أنني سأموت قبل تحرير بلادي من الاحتلال الإسرائيلي». للشاعر الراحل 12 ديواناً آخرها «استيقظ كي ترى الحلم» (2018) وكتابان نثريان: «رأيت رام الله» و«ولدت هناك، ولدت هنا». لكن بالتأكيد ستبقى رواية «رأيت رام الله»(1997) الأشهر بين أعماله، وأكسبته شهرة واسعة، ودفعت وقتها بالمفكر الفلسطييني ادوارد سعيد إلى وصفها بأنها «واحدة من أفضل الروايات الوجودية عن تهجير الفلسطينيين». في العام 1963، اتجه البرغوثي الى مصر، للإلتحاق بجامعة القاهرة التي درّس فيها اللغة الإنكليزية، في وقت اندلعت فيه حرب حزيران (يونيو) عام 1967 أو ما تعرف بـ «النكسة». وهناك اقترن بالروائية والناقدة المصرية رضوى عاشور، أستاذة الأدب الإنكليزي في جامعة «عين شمس» في القاهرة. وبعدها نشر ديوانه الأول «الطوفان واعادة التكوين» في بيروت عام 1972، وفي العام 1997 نشرت «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» أعماله الشعرية الكاملة. عرف البرغوثي برسمه المسافة المطلوبة بين المثقف المستقل وبين السلطات الثقافية والسياسية. ففي أواخر الستينيات، جمعت البرغوثي علاقة صداقة قوية مع الفنان الفلسطيني الشهيد ناجي العلي، حتى تاريخ اغتياله في لندن عام 1987، وقد ذكره باسهاب في رواية «رأيت رام الله»، وامتدح شجاعته. كذلك، كان للبرغوثي علاقة مميزة بالأديب الفلسطيني غسان كنفاني، الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في بيروت عام 1972. كما اشتهر بكونه من أشد المنتقدين لإتفاقية «أوسلو». وسبق أن دفع ثمن موقفه، عام 1977، لدى ذهاب الرئيس المصري أنور السادات الى كيان الإحتلال، فتعرّض البرغوثي للسجن وقامت السلطات المصرية بترحيله، لأكثر من 17 عاماً. عام 2000، حصل على جائزة «فلسطين» في الشعر، وترجمت أشعاره الى عدة لغات، كما حازت روايته «رأيت رام الله» جائزة «نجيب محفوظ للآداب». شارك مريد البرغوثي في عدد كبير من اللقاءات الشعرية وفي معارض الكتاب الكبرى في العالم. وقدم محاضرات عن الشعر الفلسطيني والعربي في جامعات «القاهرة» و«فاس» و«أكسفورد» و«مانشستر» و«أوسلو» و«مدريد» وغيرها.
«وزارة الثقافة الفلسطينية»، نعت الراحل في بيان لها، لافتةً الى أن البرغوثي «من المبدعين الذين كرسوا كتاباتهم وإبداعاتهم دفاعاً عن القضية الفلسطينية وعن حكاية ونضال شعبنا». وأضاف البيان: «ستخلد أفعاله الشعرية والنثرية حكاية الكفاح والنضال الوطني الفلسطيني والفكر الإنساني». بدوره، نعى «الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين» البرغوثي، معتبراً رحيله «خسارة كبيرة، ومؤلمة للمشهد الثقافي العربي عامة، وللثقافة الوطنية خاصة».