لكن، ومرة أخرى أتكلم كمواطن عراقي، التطبيع هذا لا يستهدف إيران فحسب، إنما يستهدف إسرائيلياً بلداناً كالعراق وسوريا واليمن. ومن هنا إدانتي القصوى له:
أعطيكم هذه الإشارة: يبعد العراق مثلاً عن البحرين 1006 كم. وهي مسافة ليست ذات شأن بالنسبة إلى قوة مخابراتية وعسكرية كبيرة كإسرائيل ستحط في ضيافة البحرين. هذا سيمنح إسرائيل مكاناً مثالياً جديداً لتخريب العراق على كل صعيد: جوياً وبحرياً واستخباراتياً. ليس العراق في منأى يوماً عن شر إسرائيل رغم وجود مسافة كبيرة بينهما وأراضي بلد أو بلدان أخرى من جهة الشرق. أضف إلى ذلك أنّ حكام شقيقتنا البحرين، الحكّام برهنوا على موقف طائفي متطرف ضد إيران وكل بلد ذي غالبية شيعية كالعراق.
كم من مكان سيصير متاحاً لإسرائيل لتخريب العراق: أميركا في العراق نفسه وبإحداثيات إسرائيلية، كردستان العراق في شماله، والآن البحرين جنوباً. هذا كثير.
ثم إن هناك الفكرة التي يُراد إشاعتها بين الجمهور العربي وهو أن كل بلد ذي سيادة من حقه أن يفعل إطلاقاً ما يشاء. لو نظر كل عربي إلى مسألة التطبيع مع إسرائيل من وجهة نظر الحيّ والحارة التي يسكنها، فإن الأمر سيبدو أن العالم الكبير وعلاقاته قد تقلّص إلى حارةٍ وحيّ، بينما هو ليس كذلك، ولاكتشف بعد فوات الأوان كم هي ضيقة رؤيته ومأزومة. إذا لم نقل شيئاً آخر. هذا هو التطبيع من خرم الإبرة.
تطبيع الخليج مثقل بقيمة رمزية قادمة بالضبط من «رمزية العقال» العربي
التطبيع مع حكام إسرائيل خيانة؟ هاكم هذه القصة التأريخية التي كرّرها إعلام الخليج يوم ساءت علاقته بقطر:
كان «الملك صالح إسماعيل الأيوبي، يحكم دمشق وفلسطين، فطمع في ضم مصر الى مملكته، وكانت مصر يحكمها ابن أخيه الملك صالح أيوب زوجته شجرة الدر. فجهّز جيشاً كبيراً، فطلب الملك صالح إسماعيل من بعض ملوك الممالك الصليبية مساعدته على حرب ابن أخيه، فاشترطوا عليه التنازل لهم عن القدس مقابل المساعدة، فوافق على ذلك وأعطاهم فوق ذلك مدينة عسقلان، ودارت معركة شرسة بين الجيشين، وموقع المعركة كان عند مدينة غزة. وفي نهاية المعركة انتصر الملك صالح أيوب على جيش الملك إسماعيل والجيوش الصليبية. أما الجيوش الصليبية ففرّت هاربة إلى مدنها مخلفة وراءها ثلاثين ألف قتيل. أما الملك صالح فواصل تقدمه الى مدينة القدس وحرّرها، وظلت القدس عربية حتى احتلت مرة أخرى من قبل إسرائيل». وتخلص الصحافة إلى القول: «وهذه الخيانة تمت بعد موت صلاح الدين خلال أشهر قليلة من وفاته، هذا هو الجانب المظلم في تاريخ أمتنا العربية».
نُشرت القصة عن أشهر الخيانات في التأريخ العربي الإسلامي، فما عدا مما بدا؟ عناصر القصة هذه تتطابق مع تطبيع الإمارات والبحرين اللتين لتطبيعهما حسنة واحدة: أنه كشَفَ الأقنعة للجمهور العربيّ الذي كان بعضه ساهياً، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.
قال النبي محمد بن عبد الله: «ألا شاهت الوجوه». وأحسب أن الفعل شاهت ها هنا يبعد قليلاً عن تشوّهت إلى دلالة الانمساخ.
* كاتب وتشكيلي عراقي
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا