انطفأ اليوم النحات المصري آدم حنين (1929 ــ 2020) عن 91 عاماً، بعد معاناة مع المرض. وبرحيله، خسرت مصر أحد أهمّ نحّاتيها المعاصرين. لطالما اعتبر حنين وريثاً معاصراً للفراعنة في نقوشهم على جدران المقابر والمعابد، إلا أن تجربته لم تركن إلى وسيط أو أسلوب أو مادّة واحدة. الفنان الذي ولد في القاهرة باسم صمويل هنري، التحق بكلية الفنون الجميلة في العاصمة المصريّة حيث تتلمذ على يد المصوّر أحمد صبري. وفي ميونخ حين انتقل في الخمسينيات، درس في مرسم أنطوني هيل. بين تأثّراته الأولى بالإرث المصري القديم، وتعرّفه إلى أشهر النحاتين الحديثين في العالم، صاغ حنين منحوتته المعاصرة بجمعها التجريد والاختزال. حافظت أعماله على الأصالة الراسخة في البيئة المصريّة. ظلّت نقوش الفراعنة على جدران المقابر والمعابد، ومنحوتاتهم ملهمه الأوّل كما عبّر مرّة قائلاً: «كنت أقيس كل ما أراه على ضوء النحت المصري القديم. إنه بمثابة النموذج الذي انطلق منه في حكمي على الأشياء». لكن ذلك لم يترجم بمنحوتات علقت بالتراث فحسب، بل شرّع أعماله وأسلوبه على التيارات العالمية الحديثة التي احتكّ بها عن قرب في أوروبا. كان حنين أحد روّاد فترة جيل الستينيات في مصر. في تلك الفترة، كان المناخ الفني والثقافي مزدهراً، خصوصاً أن حكومة جمال عبد الناصر دعمت البرامج الثقافية، ومجموعات الأدب الشعبي، والإرث الفني المحلي، كجزء من دعمها الأشمل للفنون الأصيلة ضمن المناخ العروبي السائد حينها. بداية السبعينيات، انتقل حنين إلى باريس، حيث أقام وعمل لأكثر من عقدين هناك، ولم يعد إلى مصر، إلا حين دعاه لاحقاً وزير الثقافة السابق فاروق حسني لترميم تمثال أبي الهول منتصف التسعينيات. في الفترة نفسها، أطلق حنين «سيمبوزيوم أسوان الدولي لفن النحت» بدعوته نحاتين عالميين للتجريب والعمل على منحوتات من الغرانيت المحلّي التي استخدمها الفراعنة.وفي حين يتعذّر حصر منحوتات حنين بمدرسة معيّنة، يُجمع عدد من النقاد على أن التجريب هو سمتها الأكثر دقّة. فقد استخدم خامات وأحجاماً عديدة، في سعيه الدائم للوصول إلى النحت الصافي من خلال جمالية مجرّدة ومكثّفة. هكذا أنجز منحوتات حيوانية لطيور وكلاب مستلهمة من الفن المصري القديم، وبعض الشخوص من الطبقة العاملة تحديداً في وادي النيل في أسوان. اتخذت الطيور تحديداً مساحة واسعة في أعماله المشغولة بعناية وبساطة. الطيور بوصفها رموزاً ذات رهبة وهشاشة في الوقت نفسه، في كلّ وضعيّاتها أكانت غافية أو محلّقة أو منتصبة بشكل طولي. تنقّلت تجربته بين مواد مختلفة. شغف البدايات انصب على المعدن مثل البرونز والنحاس، قبل عودته في مراحل لاحقة إلى استخدام خامات أخرى مثل الغرانيت، والجص والجبس، فيما شهدت مرحلة التسعينيات اشتغالاً على منحوتات بأحجام كبيرة، ونصب تعرض في المساحات الخارجيّة. ومن أبرز تلك الأعمال تمثاله المدهش لأم كلثوم بداية القرن الحالي. لحنين تجربة في الرسم أيضاً. في الخمسينيات، أنجز العديد من الرسوم التصويرية التي لم يتبع فيها الألوان الزيتية مثلاً، بل لجأ إلى تقنيات تقليدية كالرسم على أوراق البردي أو الجص، مستخدماً أصباغاً طبيعية ممزوجة بالصمغ. ومن أبرز ما أنجزه خلال فترة الستينيات رسومات لرباعيات صديقه صلاح جاهين، مجرياً حوارية فريدة بين النص والكلمة بالحبر الهندي على الورق. وفي سنواته الأخيرة، استعاد شغفه بالعمل على خامات أخرى هي الغرانيت وأخيراً خامات شعبية كالجبس أو الجص. هذه التجربة الطويلة والمتفاوتة يمكن رؤيتها عن قرب في متحف افتتحه حنين على نفقته الخاصة سنة 2014، في بيته في قرية الحرانية. شكّل المتحف مشروعاً سعى حنين إلى إنجازه منذ سنوات طويلاً. فرغم عرض أعماله في أهم متاحف العالم، ظلّ يعتقد أن صالات العرض تمنعه من التواصل المباشر مع جمهور يقتصر على فئة ضيّقة ومعيّنة. وما دفعه إلى الإسراع في تنفيذ مشروعه هو وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر، حيث جاء المتحف كموقف سياسي وثقافي في وجه من اعتبر أنهم يريدون هدم الإرث المصري. يحوي المتحف عدداً كبيراً من منحوتات وأعمال حنين تصل إلى 4 آلاف عمل فني. والأهم أنها تغطي مراحل مختلفة ومتشعّبة في رحلته الفنية طوال ستة عقود توّجته كأحد أبرز النحاتين المعاصرين في مصر.