لماذا لم نفكر أن الأرض في إجازة من البشر، فما يحدث فوقها من تلوث وأشياء كثيرة ليس بالهين ولا بالقليل. فهي الآن ترتاح من الأعباء التي كانت على عاتقها.فلا أحد فكر فيها وفي ما ستؤول إليه الأحوال مستقبلاً التي قد تقضي على البشرية عن بكرة أبيها.
كنا وما زلنا نفكر في أنفسنا ولا نفكر في غيرنا، وأننا وحدنا من يملك حق العيش، مع أن كل الكائنات وكل البشر لهم نفس الحقوق لأن من خلقهم لم يخلقهم عبثاً لنقرر نحن أن نستفرد بكل شيء. المؤلم في الكورونا أن أناساً كثراً فقدوا أحباء لن يعودوا، وذلك لا شك سيكون مؤلماً جداً ويترك آثاره لمدى العمر ...لكن بهذه الحياة سيأتي يوم ونموت جميعاً...كل حسب الوقت الذي كتب له فيه أن يغادرها.
نحن فقط أرعبتنا فكرة مواجهة الموت الند للند، وفكرة أن الأرض يومياً تفقد بعضاً من سكانها بسبب الفيروس.
لكن ورغم كل هذا، إلا أن بعضهم لحد الآن لم يتعظ. يعتقد أن الموت بعيد عنه ولا يدري أنه بإستهزائه أجرم بحق نفسه وحق غيره ممن لا ذنب لهم.
لقن هذا الفيروس دروساً كثيرة للبشر ربما لن يستوعبوها في كبرى المعاهد والجامعات العريقة. علمنا أشياء يفترض أن يعرفها كل ذي عقل ....أشياء بسيطة لا نلقي لها بالاً، لكنها الأساس في طريقة عيشنا.. هذا الدرس لم يكن مجانياً للبشر بمختلف دياناتهم وأطيافهم وأعراقهم. طبعاً، فهو لا يفرق بين غني وفقير، بين مسلم وملحد ويهودي ومسيحي، بين رئيس دولة وعامل نظافة، بين طبيب يملك كل المعدات ومشرد لا يملك لقمة عيشه.
جاء ليقول لكم أيها البشر لن يغرنكم ما فعلتموه وما ستفعلونه للبشرية من تجبر وظلم تجاوز حدود العقل..
جاء ليقول لكم أنتم لا شيء ويمكن أن يقضي عليكم فيروس لا يرى بالعين المجردة من دون أن تشعروا حتى.
جاء ليقول لكم إن التقسيمات التي قمتم وتقومون بها لن تفيد بشيء.
مهما علمتم وتعلمتم، فلم تعلموا إلا القليل والقليل جداً.
في القرآن، نزلت أول آية على محمد عليه الصلاة والسلام تقول له «إقرأ باسم ربك الذي خلق». إنها المعرفة ولا شيء غير المعرفة، التي يمكن أن تفتح للإنسان كل الأبواب الموصدة وتسهم في إنقاذ البشرية من الوباء. أظن أن هذا الفيروس أتى لينقذهم من أوهامهم وجبروتهم. لكن السؤال: ماذا بعد الكورونا! هل سيتعظ البشر!
ستتغير معالم الحياة بعد فيروس كورونا وسنشهد عالماً آخر سيسير وفقاً لمخلفاته. سيعتاد أغلبهم على أشياء كثيرة وسيتعلمون أموراً عديدة. قطعاً لكورونا إيجابياته الكثيرة التي سنراها مستقبلاً في كافة القطاعات خاصة المستشفيات. لا شك أيضاً في أنه سيسبب أزمات إقتصادية كبيرة، لكن أعود لأقول بأن فوائدها كبيرة مهما كان حجم الخسائر. وطبعاً بعد أن يقضى عليه، يجب أن تجرى حسابات في أمور عدة منها إعطاء الأولوية للعلم والعلماء، وكذلك تبجيل التعليم والمعلم على كل شيء.
صرحت منذ أيام طبيبة أو دارسة طب إسبانية قالت لهم اذهبوا إلى كريستيانو ليجد لكم العلاج مادمتم تدفعون له أضعافاً مضاعفة أو لنقل مبالغ خيالية مقارنة بالباحث. وطبعا هي صادقة في ما صرحت لأنه بهؤلاء فقط يمكن أن ينهض العالم مجدداً، مع أنني أيضاً لا أحب التطرف، فهو سبب كل البلاء الذي نحن فيه.
لكن وجب حقيقة تقديس العلم والمعرفة بعد هذه الأزمة العالمية. ليعرف جيل التيك توك والانستغرام وما شابههما أنّ لا فائدة ترجى منهما.. ما دمت لم تتعلم بعد كيف تحمي نفسك بالمعرفة.
لعل بعد كورونا يعيد الأباء حساباتهم في تربية أبنائهم. فالوقاية خير من العلاج في كل شيء في الحياة. من يذهب للإعتقاد بأن الفيروس مفتعل ومدبر من دول بهدف القضاء على أخرى، لا أشك في ذلك لأن تركيبات هذا الفيروس طبيعية بحسب الأطباء. كنت قد قرأت منذ سنوات مقالات باللغة الإنكليزية وبحثت كثيراً عن إحدى الشركات التي تتحكم في اقتصاد العالم مسماة «مونسانتو». أثناء ترجمتي لتلك المقالات، ذهلت حقيقة لجحم الكارثة التي يقوم بها البشر كي يتحكموا في إقتصاد العالم (كتبت العام 2017 مقالاً مطولاً عنها) وأنا في صدد القيام ببحث حولها بدأته العام 2017.
في البداية، ربطت فيروس كورونا بالبشر لأن في إعتقادي كل الأمور المؤذية يقوم بها الإنسان، لكنني وفق ما أرى أنّ هذا الفيروس تجاوز قدرتهم على ارتكاب الشر.
ولربما الشيء الوحيد الذي سيقومون به الآن وسيكون بالفعل مجدياً هو التزام بيوتهم حتى إشعار آخر بالحياة.
في المقابل هناك عينة من البشر أثبتت أن حب الوطن تجاوز حبهم لأنفسهم وثرواتهم. صرح الملياردير الإيطالي جورجيو أرماني أنه مستعد لإنفاق كل ثروته في مقابل أن تنهض إيطاليا مجدداً. أمثلة كثيرة من العالم والوطن العربي تظهر أن الأزمة بالفعل تولد الهمة وتبرز روح التعاون بين بني البشر على مختلف عقائدهم ودياناتهم.