تحط مسرحية «تصحيح ألوان» (تأليف وإخراج سامر إسماعيل، وتمثيل يوسف المقبل، وميريانا معلولي) يوم العاشر من كانون الأول (ديسمبر) على خشبة «مسرح قاعة الريو» في تونس ضمن المسابقة الرسمية للدورة العشرين من «أيام مهرجان قرطاج المسرحية» التي تقام بين 8 و 16 كانون الأول (ديسمبر). يتمتع العرض بجرأة فنية واجتماعية، ومقاربة حساسة للحدث السوري، سواء عبر قصته، أو حتى من خلال طابعه الإخراجي. إذ ينطلق العرض من العنوان كعتبة يستعير فيها مصطلح بصري سينمائي، استعمله المخرج للتعتيم على المضمون وضمان طابع المباغتة لأحداث عرضه الذي يفكك معطيات عشرين عاماً تستعيدها الصحافية رشا في حوارها مع الروائي جابر إبراهيم عن الجائزة التي نالها عن روايته «الخوف». لكن اللقاء الصحافي ليس جوهر المسرحية، فالحدث الأول بمثابة مصيدة تتداعى بعده عدة أفخاخ للروائي الذي تتكشف قصة مرعبة بينه وبين إسكندر ياسين والد الصحافية الشابة الذي قضى عشرين عاماً في المعتقل السياسي بعد وشاية من جابر، والذي سيسرق رواية الأب وينشرها باسمه بعيد موته.مواجهة حاسمة لن تترك مسافات بين الضحية والجلاد، فالجميع هنا في حرب، وإدانة الصحافية للروائي ستأخذ بعداً رمزياً لتكون بمثابة جردة حساب لحقبة زمنية وجيل من مناضلي اليسار، وما شاب هذا النضال من صدامات دموية مع السلطة ومع أطراف سياسية بعينها، حيث يتصاعد الحدث على خشبة المسرح، تاركاً المجال لتقديم قراءات متعددة للقصة التي كتبها وأخرجها إسماعيل في ثاني تعاون له مع فرقة المسرح القومي في دمشق بعد مسرحيته «ليلي داخلي» (2013)
الخوف لن يبقى فقط عنوان الرواية المسروقة من غريم الأب ومنافسه على حب الأم سليمى نجمة مسرح الثمانينات في سوريا، بل هو محور أساسي في نقاش يحتدم مع تفاقم الأحداث وإزاحة الستار عن كواليسها، والدفع نحو اعترافات باهظة من جابر سوف تسوقها الصحافية الشابة وابنة الكاتب المغدور، وصولاً إلى الاعتراف الأقسى على وقع الفتاة التي تعاني من مرض الصرع، حيث يتآلف ذلك مع الصرع السوري الراهن، منتجاً ما يشبه عملية قلب مفتوح على أزمنة وبشر وأمكنة، ليحضر الماضي كجذر لراهن دموي، يخيم فيه شبح السجون والمعتقلات الرهيبة، مثلما تحضر جرائم الإرهاب والتكفير وقطع الرؤوس. يصبح القاتل نسخة من القتيل، والضحية طبق الأصل عن جلادها، فكلٌ في العرض يصرخ: «أنا القاتل وأنا الضحية في آنٍ معاً»، لكن هذا لن يقود إلى التباس، لأن المجرم سيظهر بعد برهة، مُنفّذاً جريمته الأبشع بدفن الصحافية الشابة في حقيبة حمراء بعد إصابتها بنوبة صرع. إشارة استخدمها مخرج العرض ومؤلفه كاستعارة لجيل كامل تم وأده حياً في حقائب سفر مجهولة الوجهة والمصير.
إلى هذا تركّز «تصحيح ألوان» على مستويات عدة من اللعب عبر استعارة فنون الحوار الصحافي والسيناريو السينمائي والكتابة الروائية، وتوظيفها معاً من أجل تقديم حوار على الخشبة حار ولاهث، وبإيقاع يتنامى بقوة مع كل لحظة من لحظات العرض، ليصل الجمهور إلى مفاجآت عديدة، تلتزم عدم إدخاله في المتوقع، لكن وفق بنية سردية قوية ولافتة على صعيد المعالجة الدرامية للقصة. وهنا يحضر أداء ممثلي العرض إلى جانب صوت النجم أيمن زيدان في أداء صوت الأب، ليقترح النص مساحات للعب الممثل ومهاراته وقدراته عبر محكية شامية تتجاور مع لغة الرواية المسروقة!