لم يكن إقصاء لندن عن لائحة البلاد التي يزورها المهرجان المخصص للاحتفاء بالسينمائيّ الأميركي ستانلي كيوبريك (1928_1999، الصورة) أمراً منطقياً بالنسبة لكثيرين، وهو الذي اتخذها موطناً ثانياً له وأنتج فيها أعظم أعماله. حقيقةٌ استدعت المقدم والمخرج التلفزيونيّ البريطانيّ ألان ينتوب (71 عاماً) إلى استجلاب الحدث الذي جاب مختلف أقطار العالم من ألمانيا حتى المكسيك وكوريا الجنوبية، إلى متحف «ديزاين» اللندنيّ، بغية استعادة إرث المعلم الأميركيّ خلال ربيع العام المقبل. المناسبة التي يساهم فيها ينتوب بالتعاون مع نسيب المخرج الراحل والمنتج السابق في شركة «بي بي سي» التلفزيونية جان هارلان (81 عاماً) الذي تولى إنتاج العديد من أفلامه، ستتوخى الإضاءة على روائع كيوبريك الأرشيفية المحفوظة في كلية الفنون في لندن والتنقيب في مزاياها، من خلال فعاليات عديدة تضمّ عروضاً فيلمية ومخطوطات وملابس تنكرية. وإذ أن هارلان كان على تماس شخصيّ مع صاحب «دكتور ستراينجلوف» (1964) مذ تعاونهما الأول في فيلم «نابليون» (1969) الذي لم يُستكمَل إلا على يد المخرج الأميركيّ ستيفن سبيلبرغ في الأعوام اللاحقة، فإنه يفقه سمات الرجل جيداً ويدرك أن «مجده منقطع النظير». وهو يؤكد لصحيفة «غارديان» البريطانية أن افتنان كيوبريك بشخصية الحاكم الفرنسيّ راجع لصفات «الكاريزما، والنجاح والجنون» التي تحلّى بها، و«أودت به إلى نسف موقعه في آخر المطاف».
وفيما يشيد هارلان بإسهامات المصممين المشاركين في المهرجان ومنهم هاردي أميس وإيليوت نويس وكين آدم، هؤلاء الذين كان لهم الفضل في إنجاز العديد من ملصقات أفلام كيوبريك، كإعلان شريط «البريق» (1980) الذي مر بقرابة 300 مرحلة قبل الوصول إلى نسخته الأخيرة، إلا أنه أشار إلى أن «التعنت الذي اتسم به الراحل لم يكن عائداً إلى طبعه الانعزالي كما يُشاع عنه»
وفي معرض حديثه عن تفاصيل عمله مع الأسطورة السينمائية، يحدث هارلان عن الصدف التي كرست الإبداع في أعمال كيوبريك، كما حدث عند إعجاب هذا الأخير بمقطوعة «هكذا تكلم زرادشت» الموسيقية للألمانيّ ريتشارد شتراوس بعد استماعه لها عبر المذياع بشكل عرضيّ، وقد أضحت في وقت لاحق من أبرز الألحان التي اكتنزها فيلم «2001: أوديسة الفضاء» (1968). ليردف لاحقاً أن كيوبريك «لم يكن مصاباً بجنون العظمة، بل كان يمتلك رغبة دائمة في التعلّم وقدرة هائلة على شل الفوضى وإيجاد الحلول وطرح الأسئلة».