لا يقتصر العقاب على مرتكبي الإبادة الجماعية بحسب الاتفاقية الدولية لمنع الإبادة الجماعية، بل يفترض ان يعاقب كذلك المشتركون بارتكابها والمتآمرون والمحرضون عليها (المادة الثالثة). وبالتالي يمكن لأي دولة ان تتقدم بشكوى ضدّ الولايات المتحدة أمام محكمة العدل الدولية بسبب مشاركتها الفعلية المباشرة في إبادة البشر في غزّة المحاصرة. فالولايات المتحدة مدّدت الإبادة الجماعية من خلال منعها صدور قرار ملزم لوقف اطلاق النار عن مجلس الامن الدولي. كما زوّدت الإسرائيليين بأدوات الجريمة، إذ ان الجيش الإسرائيلي استخدم الأسلحة والذخائر التي قدمتها واشنطن الى تل ابيب لقتل المدنيين وموظفي الأمم المتحدة وقصف المستشفيات والمدارس والأحياء السكنية عشوائياً واستهداف الإسعافات والصحافيين وقوافل الإغاثة. وشارك بعض المسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن (الذي بات يعرف باسم «جينوسايد جو») في التحريض على إبادة الفلسطينيين في غزة بحجة «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس». وبالرغم من توفّر القرائن والاثباتات التي يمكن الاستناد اليها أمام المحكمة لإدانة الولايات المتحدة بالمشاركة بارتكاب جريمة إبادة جماعية في غزة، لم تتجرّأ دولة عربية او إسلامية على ملاحقتها قضائياً او قطع العلاقات معها بسبب ضلوعها في المجازر والتجويع والتعذيب بحق مئات آلاف البشر المحاصرين في غزة. علماً أن الدول العربية والإسلامية التي تقيم علاقات مع الكيان الإسرائيلي امتنعت عن استدعاء السفير الصهيوني لمجرد التعبير بلطف عن الانزعاج من خرق القانون الدولي... ولا شك في ان سلوك تلك الدول يشجّع الإسرائيلي على ارتكاب المزيد من المجازر في غزة ولبنان وسوريا حيث ان افلات الجاني من العقاب على ارتكابه جريمة يشجعه على ارتكاب جرائم إضافية، خصوصاً اذا بقي ذوو ضحايا الجريمة الأولى ساكتين. وتأتي تهديدات قادة العدو الإسرائيلي بتحويل بيروت الى غزة في هذا السياق.
لكن مهلاً، يمكن ان يقوم لبنان برفع الراية الحمراء امام الإسرائيليين وحلفائهم الأميركيين قبل شروعهم بتنفيذ تهديداتهم (رغم ان تجرؤهم على ذلك مُستبعد). فقتل المدنيين الآمنين في بيوتهم واستهداف المنشآت المدنية وسيارات الإسعاف والصحافيين في لبنان يشكل جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي. وبما ان تلك الجرائم ترتكب بواسطة أسلحة أميركية يمكن استدعاء السفيرة الأميركية الى وزارة الخارجية اللبنانية لمجرّد تذكيرها بموجبات القانون الدولي.
ولا يفترض بأي لبناني حريص فعلاً على سيادة بلده ان يسكت عن من زوّد السلاح الى قاتل أطفال لبنانيين ارتقوا ملائكة شهداء في الجنوب: أمل ومحمود وأمير وحسن وريماس وتالين وليان ...