المحامي البريطاني المكلف الدفاع عن "إسرائيل" مالكوم نايثان شو ذكّر أمس قضاة محكمة العدل الدولية بتصريحات رئيسة الاتحاد الأوروبي اورسولا فون دير ليان التي برّرت لجيش الاحتلال هجومه على المدنيين الفلسطينيين في غزة بحجة الدفاع عن النفس بعد بداية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول 2023. كما أشار شو الى ان الاطار الزمني العام للقضية لا يحدد في حقبة زمنية بدأت منذ 75 عاماً (منذ عام 1948) كما قال الفريق القانوني الجنوب افريقي اول من امس، بل يشمل وعد بلفور الذي صدر عام 1917 والذي يعد مستندا مؤسسا للكيان الاسرائيلي. يدل ذلك الى ان شو اختار اعتماد استراتيجية توريط حلفاء إسرائيل الأوروبيين في القضية حيث ان الاتفاقية الدولية لمنع الإبادة الجماعية تنص على وجوب معاقبة المشاركين في الإبادة الجماعية والمحرضين عليها. ومن خلال هذه الاستراتيجية يذكّر شو القضاة الأوروبيين بشكل خاص والمحكمة المنعقدة في دولة أوروبية (هولندا) بأن الكيان الإسرائيلي هو وليدة الغرب الاستعماري، وبالتالي ان ما قد يتعرض له من ملاحقة لا بد ان يشمل داعميه.فقد تبين لمالكوم شو، وهو من ابرز المحامين وأساتذة القانون في العالم ويتمتع بخبرة واسعة في المحاكم الدولية، ان الدفاع عن "إسرائيل" ونفي ضلوعها في ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزّة بعد تقديم جمهورية جنوب افريقيا قرائن دامغة وحججا قانونية دقيقة تثبت ذلك، يستدعي ابتكار حيلة تمنع القضاة من القبول بفرض إجراءات مؤقتة (وقف اطلاق نار فوري) على "إسرائيل". وقرر بالتالي توجيه رسالة غير مباشرة الى القضاة والى حكومات الدول الغربية والاتحاد الأوروبي بأن خسارة "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية تؤدي الى خسارة الدول التي دعمت "حقّها" في الدفاع عن النفس. ويرجّح ان يتأثر موقف رئيسة المحكمة القاضية الأميركية جوان دوناهيو والقاضي الفرنسي في المحكمة روني ابراهام والقاضي الألماني غيورغ نولتي والقاضية الأسترالية هيلاري تشارزورث والقاضي الياباني يوجي ايواساوا بذلك حيث ان أرفع المسؤولين الرسميين في دولهم كانوا قد برّروا استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة التي تشكل قانونياً جريمة إبادة جماعية للشعب الفلسطيني. فتلك الدول رفضت مرارا وتكراراً مشاريع قرارات وقف اطلاق النار التي عرضت على مجلس الامن الدولي، وبالتالي فهي ساهمت (ومازالت تساهم) في تمديد جريمة الإبادة الجماعية في غزة التي أدت حتى الآن الى استشهاد اكثر من 25 الف انسان والى جرح اكثر من 60 الفا.
إضافة الى ذلك تشمل استراتيجية الدفاع الإسرائيلية كما بدا امس:

1. لعب دور الضحية
تناول فريق الدفاع الإسرائيلي طبعاً معاناة اليهود من الهولوكوست خلال منتصف القرن الماضي، وقال ان اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها وضعت بعد تعرّض اليهود في أوروبا للإبادة الجماعية على يد النازيين. وأضاف ان استخدام هذه الاتفاقية اليوم ضد "إسرائيل" يفقدها قيمتها ومعناها. هل يفهم من ذلك ان الاتفاقية لا تنطبق على ضحايا الهولوكوست الذين يحق لهم إعادة ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق آخرين؟
تابع فريق الدفاع الإسرائيلي لعب دور الضحية من خلال عرض مطول لمزاعم تتعلق بما حدث يوم 7 تشرين الأول 2023 وادعاءات مضللة بوقوع مجازر واغتصاب جماعي وقتل وحشي من دون تقديم أي دليل دامغ يثبت ذلك.
واقتبس المحامون الصهاينة خطابا لأحد المسؤولين في حركة حماس يدعو الى إزالة "إسرائيل" من الوجود، وحسموا بأن هذا يعني تحريض على الإبادة الجماعية لليهود. علماً ان حركات التحرر في جنوب افريقيا كانت قد دعت الى إزالة نظام "الابارتايد" في جنوب افريقيا ولم يعدّ ذلك دعوة الى الإبادة الجماعية للرجل الأبيض.

2. التبرؤ من النية الجرمية
زعم فريق الدفاع الإسرائيلي ان التصريحات الصادرة عن رئيس الوزراء ووزراء ونواب وضباط وعسكريين إسرائيليين والتي تحرّض بشكل واضح ومباشر على الإبادة الجماعية والدمار الشامل في غزة لا تعبّر عن نيّة جرمية، حيث ان:
- "التصريحات لا تحرّض على قتل المدنيين بل فقط الأشخاص التابعين لحركة حماس". لكن بنفس الوقت قال احد المحامين امس ان حماس تضم عددا كبيرا من الأطفال وان إدارة المستشفيات في غزة تتبع لحركة حماس.
- "قام الفريق القانوني لجنوب افريقيا باجتزاء هذه التصريحات" لكن بعد إعادة التدقيق في كامل نص التصريحات الإسرائيلية يتبين ان معظمها يشدد على التدمير الشامل والساحق، ويتخلله ضحك وتهكّم وتعابير كراهية وعنف وحشي (مثل تصريح مسجل لجندي إسرائيلي يقول فيه انه يبحث عن طفل رضيع ليقتله).
- "الجيش الإسرائيلي يسمح بدخول المساعدات الإنسانية والمؤن الغذائية والمياه والأدوية". لكن ذلك يجافي الحقيقة بحسب المنظمات الإنسانية الدولية، بحسب تقارير وكالات الأمم المتحدة والمقررة الخاصة بفلسطين.
- "الجيش الإسرائيلي نصح المدنيين الفلسطينيين بالانتقال الى مناطق آمنة" ولكن مراجعة تسلسل الحوادث يدل الى ان الجيش الإسرائيلي استهدف "المناطق الآمنة" بعد هروب بعض الغزيين اليها.

3. توسيع شروط الإجراءات المؤقتة
شدد فريق الدفاع الإسرائيلي على ضرورة منع صدور قرار قضائي يفرض على إسرائيل وقف اطلاق نار (إجراءات مؤقتة) لأنه ادرك ان ذلك يكون بمثابة ادانة واثبات بأن العدوان على غزة يُعد، بشكل اولي (Prima Facie)، جريمة إبادة جماعية. فتذرع المحامون الصهاينة بإثارة فريق جنوب افريقيا للنية الجرمية الإسرائيلية اول من امس، للقول بأن أي قرار اولي من هذا النوع يتطلّب اثبات النية الجرمية بشكل اولي، وهذا غير ممكن بحسب زعمهم. علماً ان نظام محكمة العدل الدولية لا يستدعي اثبات النية الجرمية، لا بشكل اولي ولا بشكل حاسم، لفرض إجراءات مؤقتة بل تعد تلك الإجراءات ضرورية وطارئة "لمنع حصول ضرر لا يمكن إصلاحه".

4. تبييض صورة الجيش الإسرائيلي
تولى فريق المحامين الإسرائيليين مهمة تبييض الصورة المهمشة للجيش الإسرائيلي خصوصاً بعد نقل وسائل الاعلام العالمية مشاهد الجنود الإسرائيليين في غزة يهللون للقتل والتخريب والتفجير والدمار الشامل. وادعت المحامية الإسرائيلية رغوان ان الجيش الإسرائيلي يقدم مساعدات إنسانية للفلسطينيين و"يسعى دائماً الى تجنب قتل المدنيين" ويساهم في تجهيز المستشفيات وإصلاح "شبكة المياه التي تضررت بسبب الحرب". لكن ذلك يجافي الحقيقة حيث ان تقارير الأمم المتحدة نفسها التي تشكل محكمة العدل الدولية احد أجهزتها الأساسية تشير الى القصف الإسرائيلي المكثف على الاحياء السكنية والمستشفيات ومدارس الانروا. كما تشير تلك التقارير بوضوح الى الحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة ومنع ادخال المساعدات. كما ان المسؤولين الإسرائيليين انفسهم كانوا قد صرّحوا علناً انهم امروا بقطع المياه والكهرباء عن غزة. فهل قرر الإسرائيليون اصلاح انابيب المياه بعد ان امروا بقطعها؟

5. الادعاء باحترام التناسبية
كرر المحامي البريطاني بأن الجيش الإسرائيلي احترم مبدأ التناسبية في حربه على حماس في قطاع غزة. ويقول شو ان "الرد الإسرائيلي على هجوم 7 تشرين الأول 2023 جاء متناسباً ولم يخرق القانون الدولي". لكن مقارنة عدد الضحايا وحجم الدمار يدل الى عكس ذلك تماماً، وبالتالي فان مزاعم المحامي البريطاني تستند الى عملية حسابية بمعايير عنصرية حيث ان التناسبية التي يدّعيها شو تساوي 25000 فلسطيني بـ1400 إسرائيلي.