16 سجيناً توفوا في سجون لبنان عام 2021، وارتفع العدد عام 2022 إلى 37، وانخفض عام 2023 إلى 24. بحسب تقرير لجنة السجون في نقابة المحامين، تُعدّ الأمراض المتعلّقة بالقلب السبب الرئيسي للوفيات، إذ أدّى توقّف عضلة القلب عام 2022 إلى وفاة 21 سجيناً. وفي عام 2023 أدّى السبب ذاته إلى وفاة 10 سجناء. ألا يُفترض إجراء تحقيق موسّع بكل من هذه الحالات لتحديد أسباب توقّف عضلة القلب؟ فمن المفترض فتح تحقيق للتأكد من عدم وجود جريمة قتل مقصودة أو غير مقصودة نتيجة تعذيب أو ضرب مثلاً. من بين المتوفين سجين يبلغ من العمر 19 سنة توقّفت عضلات قلبه عن العمل فجأة بحسب التحقيقات الأولية، ولم يتم التوسّع في التحقيق لتحديد سبب توقف عضلات قلبه عن العمل، علماً أن الأسباب قد تتعلّق بتناول جرعة زائدة من المخدّرات مثلاً أو بسبب تشوّه خلقي.

3,620

سجين في رومية يعاينهم طبيبين

لا يمكن اعتماد التقرير الطبي كدليل حاسم لتحديد سبب الوفاة عند وقوعها داخل السجن بحسب المحقّقة الجنائية المحلّفة لدى القضاء اللبناني الزميلة جنان الخطيب، ولا بدّ من إجراء تحقيق شامل. وتؤكد الخطيب أنه لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يكتفي المحقّق بسردية «السكتة القلبية» أو غيرها من السرديات، لأن التحقيق لا بدّ أن يستند إلى أدلة واضحة لا إلى فرضيات وتحليلات وتوقّعات. لا يمكن الاستناد فقط إلى تقرير طبي يحسم بأن سبب الوفاة هو «توقف القلب»، لأن أسباب الوفاة كلها بشكل عام هي نتيجة توقف عضلة القلب، وما يفترض دراسته والبحث عنه هو الأسباب الحقيقية التي أدت إلى توقف هذه العضلة عن العمل. سبب الوفاة يفترض أن يكون مبنياً على دراسة شاملة وتحقيق كامل من ضمنه التقرير الطبي، وهو أساسي ويساعد في توجيه التحقيق. وتضيف: «ليس المطلوب فتح تحقيق شامل، بل من الضروري فتح تحقيق في كل حالة وفاة حصلت داخل السجون لاستبعاد الفرضيات الأخرى». وتشرح أن التحقيق الجنائي يشمل دراسة المكان والظروف التي أدت إلى الوفاة ودراسة الملف الصحي للمتوفى الصحي والاستماع إلى الشهود.
فحص الدم من بين الفحوصات الطبية التي يُفترض إجراؤها للمتوفى بحسب المحققة الخطيب لأنه «يساعد على كشف ما إذا كان المتوفى تناول جرعة زائدة من المخدرات أو غيرها من المواد. كما يفترض معاينة الجثة بشكل دقيق للتحري عن وجود آثار كدمات أو جروح أو علامات خنق وغيرها من الآثار. وفي بعض الأحيان، يكون من الضروري اللجوء إلى تشريح الجثة.

توقيف المتّهمين المرضى
الوضع الصحي العام في لبنان تراجع فكيف إذاً الحال في السجون؟ المشكلات الصحية التي يعاني منها من هم خارج السجن هي نفسها التي يعانيها من هم داخله، ولكن بشكل مضاعف. يوضح أحد ضباط قوى الأمن المكلّفين إدارة السجن: «غالباً ما يتم توقيف أشخاص متّهمين وهم يعانون أصلاً من صعوبات صحية». ولا شكّ في أنّ نسبة الأمراض عند توقيف المتهمين، أي قبل دخولهم السجن، مرتفعة بسبب البيئة غير الصحية التي يأتون منها.

غالباً ما يتم توقيف المتّهمين وهم يعانون من صعوبات صحية


ويضيف الضابط أنّ القوى الأمنية المسؤولة عن السجون مرغمة على تقسيم السجناء المرضى إلى قسمين: حالات «باردة» تتم متابعتها من دون نقل السجين المريض إلى المستشفى، والحالات «الساخنة» أي الخطيرة التي تتطلّب متابعةً ومعالجةً فورية. ويحذّر الضابط من إشكالية أخرى وهي عدم قبول المستشفيات استقبال السجناء المرضى لعدم دفع الفواتير بالدولار، مغفلة دورها وواجباتها بمعالجة المريض، مشيراً إلى أنه «لا يمكن للقوى الأمنية أن تتكفّل بطبابة السجناء ودفع الفواتير بالدولار، كون الميزانية المخصّصة لها لا تكفي حتى لعديدها».

لا حياة لمن تنادي
«للأسف نحن لا نعالج الأسباب ولا النتيجة. وعندما تقع الكارثة نحاول أن نضبضبها لتخفيف واقعها»، يقول رئيس جمعية «عدل ورحمة» الأب نجيب بعقليني. فمشكلة الطبابة في السجون، بحسب بعقليني، عمرها أكثر من سنتين، و«الأدوية غير كافية ولا تُؤمَّنْ، العمليات الجراحية على نفقة الأهل والمستشفيات لا تستقبل أحداً، وميزانية قوى الأمن غير كافية». ويضيف أنّ كارثةً كبيرةً تطال حقوق الإنسان وكرامته، إذ إنّ القانون يحفظ للسجين هذا الحق رغم ارتكابه جريمة، وحجز الحرية مقابل الدولة يقابله تأمين حاجته الأساسية». وحذّر بعقليني من ارتفاع نسبة الأمراض من دون أي خطّة للحدّ منها داعياً الجهات المانحة إلى زيادة المساعدات، و«نحن كجمعية نساعد عبر صندوق استشفائي لتأمين الأدوية وتكاليف العمليات الجراحية الطارئة، ولكنّ ذلك غير كافٍ. نطلق الصرخة يوماً بعد يوم بأن السجين إنسانٌ يتمتّع بحقوق وعلينا إنقاذه».





وضع خطير يتطلّب إنشاء مستشفى ميداني
«السبب الأساسي الذي أدى إلى هذا العدد من الوفيات هو اكتظاظ السجون» بحسب رئيس لجنة السجون في نقابة المحامين، المحامي جوزيف عيد، بعد أن وصل عدد السجناء إلى 8200، يشكّل الموقوفون من دون محاكمة النسبة الأكبر منهم (83%). ويضيف عيد أن الوضع الاقتصادي لا يسمح بشراء أدوية أو تعيين أطباء، «فسابقاً كان الأطباء يعاينون قرابة 5000 سجين. وكان في سجن رومية وحده 7 أطباء. اليوم يوجد طبيبين فقط في رومية الذي يضم 3620 سجيناً. عدد الأطباء في كل السجون لا يسمج بمعالجة 8200 سجين".
نسبة الأمراض عند توقيف المتّهمين، أي قبل دخولهم السجن، عاليةٌ جداً


ويشير عيد إلى أنّ البطء في معاينة السجناء يعود إلى عدم حضور الأطباء إلى السجون نظراً إلى رواتبهم المتدنية «والأهالي الله يساعدها ما بتقدر تحَكّمْ مرضاها». ويضيف أن المستشفيات لم تعد تستقبل السجناء، ما عدا مستشفى الحياة، و«أصبح دخول المستشفى على نفقة السجناء بسبب إصرار المستشفيات على الدفع بالدولار. كما أن كلفة الطبابة ارتفعت وميزانية قوى الأمن انخفضت». وبحسب عيد، السجين اليوم أمام حالتين: إما أن يُعالج على نفقته الخاصة أو تتفاقم حالته الصحية وصولاً إلى وفاته.
ويحذّر من أنّ السجون مقبلةٌ على كارثة داعياً إلى إعلان حالة طوارئ صحية، و«أطالب المنظّمات الدولية بالتكافل مع نقابة المحامين وقوى الأمن ووزارة العدل والصحة إدراك خطورة الموضوع وإنشاء مستشفى ميداني لأكثر السجون اكتظاظاً، كسجن طرابلس القبة وسجن رومية».
وشدّد عيد على دور القضاء في تخفيف الاكتظاظ عبر تطبيق المواد 108-107-111 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، لإخلاء سبيل الموقوفين بجرائم الجنح. كما تقوم النقابة بدفع غرامات الموقوفين «لكن ليس في استطاعتنا أن نقدّم الرعاية الصحية للسجناء. مساعدتنا تقتصر على تقديم المعونة القضائية، ولا يمكن أن نقدم الرعاية الصحية لكل السجناء، نحن لسنا الدولة». ولفت إلى أن «السجون ليست أولوية عند الحكومة، لذلك نناشد القضاء بالبتّ في المحاكمات تفادياً لكارثة أكبر».