أمام العدد الكبير للشهداء في غزة منذ بداية «طوفان الأقصى»، تُطرح أسئلة كثيرة حول كيفية التعامل الشرعي مع جثثهم، خصوصاً أن هناك كثراً لا يزالون تحت الركام، وآخرين ينتظرون لم تُحدّد هوياتهم في برادات المستشفيات، وأشلاء جثث لم يعرف اصحابها. وبما ان أصول التعامل مع الموت تحددها المراجع الدينية، تواصلنا مع عضو تجمع العلماء المسلمين في لبنان الشيخ عبد القادر ترنني والشيخ بهاء الدين سلام للحصول على بعض الإجابات، وكذلك مع مدير المركز الكاثوليكي للإعلام المونسنيور عبده أبو كسم. وتبين ان الأساس واحد بين المسلمين والمسيحيين وهو احترام الموت وتكريم الشهداء بالإسراع بدفنهم.
كيف يفترض التعامل مع أشلاء الجثث المجهولة؟
إذا وجد الميت أشلاءً مقطعة، أو لم يوجد منه إلا بعضه، فالواجب تجميع أشلاء وأعضاء كل ميت على حدة، فيما الأشلاء التي يتعذر معرفة هويات أصحابها تترك متفرقة كما هي. أشلاء الشهداء تدفن معهم كما هي، إما أن لم تكن لشهيد فيجب تغسيلها وتكفينها والصلاة عليها، حتى لو كان الموجود منها بعض الميت كيده أو رجله فقط، ويدفن كل ميت أو الجزء الموجود منه في قبر مستقل إلا إذا تعذر ذلك. وفي حال صُلي على الميت ثم وجد جزء آخر منه: تغسل هذه الأجزاء، وتكفّن، وتدفن في المقبرة.
في حال كانت الجثة تعاني من مرض أو تشوه أو تآكل، هل يجوز لمسها أو تغسيلها؟
الحكم الشرعي أن الشهيد لا يغسل، وفي حال لم يكن شهيد معركة، يجب غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، ومن تعذر غسله بسبب المرض يُيمّم، وإذا تعذر تكفينه سقط، وإذا تعذرت الصلاة عليه صلي على قبره.

متى يعتبر المفقود شهيداً؟ هل هناك مهلة معينة لذلك؟
اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من يرى أنه يعد ميتا بعد مضي 80 عاما أو 90 عاما؛ ومنهم من يرى أنه يعد ميتا بعد أربع سنوات مستندين إلى أنَّ عمرَ بن الخطاب قالَ: أيُّما امرأةٍ فقدتْ زوجَها، فلم تدرِ أينَ هوَ، فإنَّها تنتظرُ أربعَ سنينَ، ثمَّ تعتدُّ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا. أما الكنيسة فلا تجبر أحداً على توفية شخص مهما طالت فترة غيابه أو فقده إلا إذا رغب الاهل في ذلك.

هل يغسل الشهيد قبل دفنه؟
إن رفع حياً غسل وصُلِّيَ عليه، إلا إذا رفع مغموراً - والمغمور هو الذي لا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم - فهذا كالمرفوع ميتاً، فلا يغسل؛ ولا يصلى عليه. وأما غيره من الشهداء فإنه يغسل كمن قتل مظلوماً أو قتله اللصوص في المعترك أو مات بغرق أو هدم، فإنه يغسل ويصلى عليه. أما بالنسبة للمسيحيين فلا يغسل المتوفى عادة.

كيف يتم التعاطي مع من لا يزالون تحت الأنقاض؟ هل يعتبرون في عداد الشهداء؟
الأموات الذين لا يزالون تحت الأنقاض بالتأكيد هم في عداد الشهداء وتقرأ عليهم سورة الفاتحة، وفي حال لم يكن مؤكداً أنهم توفوا تحت الأنقاض يعتبرون أحياء حتى يثبت عكس ذلك. ولا مانع من الصلاة على راحة أنفس الشهداء لدى المسيحيين، وعندما يرفع الردم يمكن الصلاة عليهم، فالصلاة على الميت تجوز أكثر من مرة، لأنها راحة للنفس.

هل يجوز دفن المرأة مع زوجها أو مع أولادها؟
الأصل أن يدفن كل شهيد بمفرده، إلا إذا كانت الضرورة تقتضي أن يدفنوا في قبر واحد في حال كان هناك نقص في القبور أو كثرة موتى وخشية تغيرهم أو لحاجة كمشقة على الأحياء. وإذا وقع ذلك وضع الأفضل جهة القبلة ويليه المفضول، ويلاحظ تقديم الكبير على الصغير، والذكر على الأنثى ونحو ذلك؛ ويجب أن يفصل بين كل اثنين بتراب، ولا يكفي الفصل بالكفن.
ولا مشكلة في دفن المرأة مع زوجها جنباً إلى جنب في القبر نفسه بالنسبة للمسيحيين.

ما هي المعايير الشرعية التي تعتمد لتأكيد الوفاة؟
المفقود في جبهات القتال تراجع الدوائر المعنية بشأنه، كالجنود المشاركين في المعركة، أو يُسأل عنه رفاقه العائدون من الجبهات والأسرى العائدون من الأسر. أما المعتقل المفقود فتسأل عنه دوائر الشرطة والجهات الأمنية ذات العلاقة وهكذا. والمعايير هي استلام الجثة وتأكد موتها، أو فقدان الجثة لمدة يتأكد معها استشهاده.

هل يمكن دفن الشهيد بثيابه مع سلاحه، أو خاتمه؟
يجب دفن الشهيد بثيابه التي مات فيها متى كانت مباحة، ولا يزاد عليها إن سترت جميع بدنه، فإن لم تستر جميع بدنه زيد عليها ما يستره؛ ولا ينزع خفه، ولا قلنسوته - وهي ما يتعمم به؛ وتسمى الطاقية - ولا تنزع منطقته، وهي ما يشد في وسطه إن كان ثمنها قليلاً؛ وكذلك يبقى خاتمه إن قل ثمن فصه، وكان الخاتم من فضة. وإلا نزع ودفن بدونه. وتنزع عنه آلة الحرب كالسيف والدرع.
في حال صُلي على الميت ثم وجد جزء آخر منه: تغسل هذه الأجزاء، وتكفّن، وتدفن في المقبرة


في حال وجد المسلم جثة على الطريق، هل يجب عليه المبادرة إلى دفنها؟
الحاكم العادل أو الجهات المختصة هي المخولة بالمبادرة إلى دفن الميت بعد الإجراءات اللازمة والتحقق من موته. إذا كان الأمر مستحيلا فيدفنها وله الأجر. والامر نفسه ينطبق على المسلمين والمسيحيين.
كيف ينظر الشرع إلى الأطفال الذين ولدوا منذ بداية الحرب واستشهدوا قبل أن تُسجّل ولاداتهم في القيود الرسمية، وهل يفترض تسجيلهم ومن استصدار وثيقة وفاة؟
هذا الأمر من الأعمال التنظيمية الخاصة بدوائر النفوس، وهو مطلوب متى دعت إلى ذلك المصلحة، بل قد يكون واجباً من أجل أعمال حصر الإرث...لا بد من ذلك لتأكيد الشخصية ولاعتبارات قانونية ضرورية، إلا إن استحال ذلك.
الجنين هو شخص متكامل يدفن مع الأطفال وله جنّاز خاص، يفترض تسجيل هؤلاء الأطفال واستصدار وثيقة ولادة ووثيقة وفاة. في كل الأحوال تسجل في سجلات الكنيسة أسماء هؤلاء الأطفال ويكتب في خانة الملاحظات في سجل الرعية أنه لم يستصدر لهم وثيقة ولادة ووفاة.
هل يجوز إبقاء الشهداء المجهولي الهوية في البرادات حتى يتم التعرف عليهم؟
يتولى أمرهم الحاكم الشرعي أو من ينوب عنه لجهة قرار الدفن أو الإبقاء في البرادات. وبالنسبة للبعض تتقدم قاعدة «إكرام الميت دفنه»، اذ لا يفترض بقاء الجثة أكثر من أسبوعين من دون دفن.