في إطار عملية كم أفواه الصحافيين العرب والأجانب والحد من التغطية الصحافية في غزّة، منع العدو الإسرائيلي الصحافيين الأجانب من الدخول إلى غزّة منذ بداية عملية «طوفان الأقصى»، إلا أن «الصحافيين الفلسطينيين موجودون في غزّة يوثقون بالصوت والصورة الرواية الفلسطينية للحرب» يقول مدير مكتب قناة المنار في غزّة، عماد عيد الذي يؤكد أن «المعركة الإعلامية تدار بشكل فلسطيني بامتياز، والدليل أن مشاهد وصور الإجرام تصل إلى العالم رغم كل القيود والحصار».لا ينفي عيد أن استشهاد عدد كبير من الصحافيين وعائلاتهم أربك عمل الصحافيين في غزة، مشيراً إلى أن «عدداً من الصحافيين العاملين مع الوكالات الأجنبية أجبروا على مغادرة غزّة إلى جنوب القطاع، فيما فضّل عدد من الإعلاميين البقاء في مدينة غزّة المهددة بالاجتياح من العدو الإسرائيلي».


لا تختلف التحديات والعراقيل التي تواجه الصحافي الفلسطيني اليوم عن تلك التي يواجهها أي مواطن غزّاوي يعيش الحرب، فالصحافي قد لا يجد ماءً، أو خبزاً، وأحياناً كثيرة لا يجد الوقت للبحث عن الماء والخبز لأن الحرب طاحنة ومستمرة منذ ما يقارب 22 يوماً على مدار الساعة، إذ لا وقت للنوم أو للراحة أو حتى للاطمئنان على الأهل والأصحاب.
ويضيف عيد: «نحن مصممون على آداء الواجب وكشف الحقائق أمام الرأي العام العربي والعالمي، لن نتوقف عن ذلك رغم سقوط الشهداء في الجسم الصحافي الفلسطيني، هذه قضيتنا ولن نتوقف عن تأدية واجبنا مهما غلت الأثمان».

مصلحة الأمن القومي الصهيوني أولاً
«استهداف الصحافيين حيث يتواجدون في أيام السلم وأيام الحرب وفي الأزمات هو انتهاك فاضح لحقوقهم ولحريات العمل الإعلامي ولحقوق الإنسان، هذا مبدأ والقليل الذي يجرؤ على فعل ذلك»، يقول أستاذ الإعلام والتسويق السياسي في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، د. إياد عبيد، مستذكراً تاريخ إجرام الولايات المتحدة الأميركية الحافل باستهداف الصحافيين خصوصاً أثناء حربها على العراق، ويلفت إلى أن «أكثر الدول قمعية بحق الصحافيين حدّ القتل الإجرامي في الأزمات هي الولايات المتحدة الأميركية وكذلك الكيان الصهيوني. ففي حربها على العراق استهدفت الولايات المتحدة كل من كان يعترض ويخالف سياستها بـ«الأمر اليومي للإعلام» بالقتل والقنص، ولم يقتصر الاستهداف الأميركي لمقر إذاعة بغداد وتلفزيون بغداد، بل طاول مقار القنوات العالمية والأوروبية التي كانت تحاول نقل ما يجري بموضوعية».
مضيفاً أنه «منذ بداية طوفان الأقصى، يقصف العدو الصهيوني ويضرب الصحافة العربية والفلسطينية في الداخل، كذلك يضرب ويقتل أي صحافي حر، ينقل بموضوعية ما يجري. وأي محاولة لفضح حقيقة الإجرام والوحشية الصهيونية بحق الأطفال والنساء والشعب الفلسطيني برمته، تواجه بالقتل. آلة القتل الصهيونية تسقط اليوم كل ادعاءات الحرية وحق التعبير والاختلاف لمصلحة الأمن القومي الصهيوني فوق كل اعتبار».
ويخلص عبيد إلى القول إن «الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي يخافون تحرك أحرار العالم، هم قادرون على فرض شروطهم على الدول والحكومات، ولكنهم عاجزون عن كم أفواه الصحافيين الأحرار في أوروبا وحتى في الولايات المتحدة الأميركية بعض الشيء، وبشكل أكبر في أميركا اللاتينية. يخافون الكلمة والصورة التي تعرّيهم أمام الرأي العالمي وتفضح آلة القتل الإجرامية الصهيونية بحق الصحافة والصحافيين».

هدف للعدو
«ليست المرة الأولى التي يستهدفنا العدو الإسرائيلي كصحافيين، كنّا هدفاً له في الحروب الماضية كما نحن اليوم، تظن إسرائيل أنها قادرة على إخماد الحقيقة ومنع إخراج صور جرائمها للعالم، كلنا إصرار على نقل الإجرام الإسرئيلي بحق الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى في المستشفيات بالصوت والصورة» يقول مصطفى البايض، مراسل قناة «روسيا اليوم» الناطقة باللغة العربية في غزّة، مخاطباً العدو «مهما قتلتم منّا، لن نتوقف عن تغطية إجرامكم الصهيوني، نحن الحقيقة وأنتم الوهم». (فقد البايض، بعد ساعات قليلة من كلماته هذه، 9 من أقربائه في قصف إسرائيلي على قطاع غزّة).
ومن جنوب لبنان، يتحدث مراسل التلفزيون «العربي»، علي رباح الذي كان شاهداً على الإجرام الصهيوني بحق الصحافي عصام عبد الله، إذ كان على بعد أمتار قليلة من مكان الاستهداف، ينطلق رباح من مسلمة وحقيقة أن «الإسرائيلي يستهدف الصحافيين وهو يعلم أنهم صحافيون. جيش الاحتلال كان يعرف من يتواجد في النقطة التي قصفها، لم يكن ذلك عن طريق الخطأ، هذه حقيقية واضحة كعين الشمس».
ورداً على سؤال لماذا استهداف الصحافييين، يؤكد رباح أن «الصحافيين هدف للعدو لمنعهم من نقل الحقيقة ومحاولة منه للتستر على الإجرام الذي يمارسه، تخاف إسرائيل من فضح جرائمها ما يجعلها تخسر هجمة الإعلام الغربي المتضامن معها، لذا لا مصلحة اليوم للعدو أن يكون هناك إعلام فلسطيني لبناني عربي يظهر حقيقة عدوانها وإجرامها».
ويلفت رباح إلى أنه من الطبيعي أن يشعر الصحافيون بالقلق نتيجة استهدافهم، مشيراً إلى «إجراءات اتخذها جزء كبير من القنوات التلفزيونية الذي طلب من مراسليه عدم التحرك والتنقل في الجنوب، كما طلب بعضهم بث رسائلهم من الفنادق».
يشارك مصور التلفزيون «العربي» شربل فرنسيس، زميله رباح استنكاره لاستهداف الصحافيين، وهو الذي غطى منذ عام 1987 العديد من الحروب، منها حرب أفغانستان، وحرب العراق، وحرب الكويت، والحرب اللبنانية، وحرب تموز 2006، لكن وللمرة الأولى يكون شاهداً على الإجرام الإسرائيلي بحق أحد زملائه الصحافيين المقربين. «كنت أول الواصلين إلى مكان استشهاد عصام عبد الله» يقول لـ«القوس»، ويروي كيف شاهد الدخان يتصاعد على بعد أمتار عبر عدسة كاميرته، لتتضّح الصورة بعد ثوان قليلة، أدرك حينها أن أحداً من الزملاء الصحافيين أصيب بمكروه، ترك الكاميرا أرضاً وتوجه إلى المكان متناسياً كل المخاطر التي قد تواجهه، «كانت كريستينا تلوح بيدها، وصل الدفاع المدني.. شعور لا يوصف أن ترى زميلاً لك مستشهداً على الأرض. رأينا زملاءنا بين جريح وشهيد.. الأمر صعب جداً».

جريمة حرب
«المشكلة الأساسية لا تكمن في عدم وجود قواعد صريحة تدين الاعتداء على الصحافيين، إنما تتجلى في كيفية تطبيقها في الواقع وفقاً لآليات قانونية تنفيذية كإجراء محاكمات مثلاً أو توقيع عقوبات، وهذا ما لا نراه مطلقاً في ضوء الاعتداءات الصريحة التي يقوم بها العدو الصهيوني على الإعلاميين منذ نشوء هذا الكيان مروراً بقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة ووصولاً إلى الاعتداءات الأخيرة التي جرت حديثاً وعلى رأسها استشهاد الإعلامي عصام عبد الله»، بهذه الكلمات يختصر الأستاذ في كلية الحقوق وكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، محمد حبحب، طبيعة المشكلة اليوم التي تكمن في ملاحقة ومحاسبة العدو حيال جرائمه بحق الصحافيين وحتى المدنيين مشيراً إلى أنّه «في حالة الحرب تستدعى قواعد القانون الدولي الإنساني -أو كما يعرف بقانون الحرب- التي ترعى حماية المدنيين ومنشآتهم وأسرى الحرب خلال النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية».
ويلفت حبحب إلى أنه «على خلاف القواعد السابقة المطبقة في النزاعات المسلحة الدولية، لم يرد ذكر الصحافيين على وجه الخصوص في أي من المعاهدات المنطبقة على النزاعات المسلحة غير الدولية. لكن يمكن اعتبار الصحافيين في هذه الأحوال مدنيين أو أشخاصاً لا يشاركون مباشرة - أو كفّوا عن المشاركة - في العمليات العدائية. وتسري عليهم القواعد المتعلقة بالمدنيين».
مشيراً إلى أنه لا يوجد إتفاقية دولية معيّنة خاصة بحماية الصحافيين، وإن كان هناك محاولات خجولة للقيام بذلك لكن لم تبصر النور حتى الآن. فكل ما تجلى يندرج تحت إطار قرارات دولية كالقرار الذي صدر عن اليونسكو بتاريخ 12/11/1997 بعنوان «إدانة العنف ضد الصحافيين»، والقرار الصادر عن قرار مجلس الأمن الرقم 1738 في كانون الأول 2006 بإدانة الهجمات ضد الصحافيين في حالات النزاع، كذلك إعلان مدلين الصادر في 4 أيار 2007 بعنوان «تأمين سلامة الصحافيين وحصانتهم من القتال». (راجع «القوس»، 21 تشرين الأول 2023، «قواعد حماية الصحافيين... حبر على ورق»).
يشدد حبحب على ضرورة «التوقيع والتصديق على البروتوكولين الإضافيين الأول والثاني لاتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والامتثال بالالتزامات الواردة في قرار اليونسكو الرقم 29 لتشجيع إصدار تشريع بنية إجراء تحقيقات ومقاضاة قاتلي الصحافيين وللحصانة من القتال».

المحاسبة ضرورة
«تغطية الحروب من أصعب وأخطر المهام التي من الممكن أن يمارسها الصحافي أثناء عمله» تقول مديرة الموقع الإلكتروني لصحيفة «النهار» اللبنانية، ديانا سكيني، مضيفة: «خصوصاً أن أغلب الحروب التي تقودها إسرائيل تفتقد الالتزام بالمعايير والقوانين الدولية الخاصة بالحروب لناحية تحييد الصحافيين من الاستهداف المباشر، وهذا ما عشناه أخيراً عبر استهداف الزميل عصام عبد الله»، مشيرةً إلى فشل إجرام «إسرائيل» في ردع الصحافيين سواء في جنوب لبنان أو في غزّة، إذ رغم الخطر الكبير يستمر الصحافيون في عملهم دون تقاعس في أداء مهامهم.
تطالب سكيني الدولة اللبنانية ووزارة الإعلام والأطر النقابية المتصلة بالتحرك لمحاسبة ومعاقبة «إسرائيل» حتى لا يذهب دم الصحافيين هدراً، «رغم أننا اعتدنا عدم الوصول إلى نتيجة، ولكن علينا المطالبة حتى يعلم العدو، والصحافيون أنفسهم، أنه ليس من السهل استهدافهم».