«اللسان حرّ والقلم أسير» قاعدة قانونية معناها أن القاضي مقيّد بأحكامِهِ وقلمه، لكنّ المحامي حرّ بمرافعاتٍ فضاؤها رَحِب. انسجاماً مع المبادئ الأساسية المتصّلة بعمل المحاماة وهي الحقوق والحريات. اعتماداً على ذلك، تحضّر مجموعة محامين، وفق معلومات «الأخبار»، طعناً سيقدّم أمام محكمة الاستئناف الناظرة في قضايا النقابة لإبطال قرار مجلس النقابة الذي فرض على المحامي أخذ الإذن المُسبَق من النقيب قبل المُشاركة في ندوات أو إعطاء رأيه في قضايا الرأي العام بأي شكلٍ من الأشكال حتى على مجموعات «الواتساب» الخاصة، وهي سابِقة لم تشهدها أي من المِهَن الحرّة ومن بينها المحاماة في لبنان.ما بين «يُستحسن إعلام النقيب» قبل الإطلالة الإعلامية وبين «الاستحصال على إذنٍ مسبق من النقيب» فرق لغوي وموجبات ونتائج قانونية، فرضها التعديل الجذري لنظام آداب المهنة، الذي أقرّه قبل أيام مجلس نقابة المحامين في بيروت. إذ نصّت التعديلات على أنّه «ليس للمحامي أن يشترك في أي ندوةٍ أو مقابلة ذات طابع قانوني تنظّمها إحدى وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية أو نقاشات مجموعات الواتساب، إلا بعد استحصاله على إذن مسبق من نقيب المحامين». النصّ السابق للتعديل اكتفى بإعطاء «علم وخبر»، وفي حال لم يرد النقيب ظهور المحامي في إطلالةٍ ما، كان عليه أن يُبرّر رفضه، وعلى المحامي الالتزام أو يُحال على المجلس التأديبي إن خالف. لكن كان باستطاعة المحامين من الأصل الظهور من دون مخابرة نقيبهم. إذ إن لا نصّ يفرض عليهم ذلك، وهذا تماماً ما سعى النقيب ناضر كاسبار إلى إرسائِهِ، في إطار سعيه إلى ضبط ما أسماه «الفوضى الإعلامية»، حيث «تُعرَض الملفات والمُشادات الكلامية بين المحامين على الهواء وتضرّ بسير العمل»، وأيضاً للتقليل من «استفادة المحامين الذّين يظهرون في الإعلام من الشهرة وبالتالي الدعاية والإعلان». أما المُخالفة فستُعرّض المحامي إلى الإحالة على المجلس التأديبي، وتندرّج عقوبته من الإنذار إلى تعليق الانتساب والشطبِ من النقابة ليُمنع من مزاولة المهنة.
تعديلات النقابة جذرية وترهن حرية المحامين


مع ارتفاع صوت المحامين المعارضين، تبدّلت أسباب كاسبار، فصرّح أمام وفودٍ زارته في مكتبه، بأن صورة المحامي يجب أن تبقى «صورة المحامي المُترافع الذي يعمل في مكتبِهِ، وفي قصور العدل والدوائر الرسمية وغيرها... وليس في الشارع». وفي الوقت الذي يفرض قانون العقوبات على المحامين كما القضاة والمواطنين الخ... الالتزام بموجِبات التحفّظ وسريّة التحقيق - ومع التحفّظ على موجبات التحفّظ نفسها التي تختلف الآراء بشأن صوابيتها - ذهب كاسبار أبعد من تلك الموجبات القانونية، بقرارٍ تصفه الشريحة الواسعة المُعتَرِضَة بأنّه «ينمّ عن سلوك يزداد سلطوية داخل النقابة، ويأخذها باتجاه إخضاع حريّة المحامين في التعبير عبر فرض رقابةٍ مسبقة على كلامهم تخدم النظام». ولأن حقّ المحامي بالتعبير وإبداء الرأي ستبقيه النقابة مرهوناً بشخص النقيب يمنحه أو يسلبه إياه، و«طالما أن ذلك يتعارض مع ما كفله الدستور في مقدّمته وكذلك العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لن نلتزم بالقرار الجديد كما لم نلتزم بالنص السابق، وفي حال تعرّضنا في قضايانا للظلم سنحوّلها في الإعلام إلى قضايا رأي عام». يقول المحامي أيمن رعد لـ«الأخبار»، مستنداً إلى أن التفسير الحرفي لعبارة «المحاماة رسالة» يفترض للمحامي «دوراً توعوياً يخدم مجتمعه». وهذا كلّ الفرق بين صورة المحامي كما تراها النقابة والمحامي الذي ينطلق من أن دوره في ظلّ الانهيار الدستوري والسياسي والاقتصادي وحكم الفساد المالي، توعية الناس حول قضايا الرأي العام والملفات الإشكالية من شبهات فسادٍ وخرق دستور ومخالفاتٍ قانونية.