«أحمد ناصر محمد ديب الحلو» (مواليد عام 2007، لبناني) آخر المفقودين عام 2022. «غادر بتاريخ 25/12/2022، منزل ذويه الكائن في محلة عرمون ولم يعد حتى تاريخه»، بحسب ما أعلنت القوى الأمنية عبر حساباتها، وطلبت من المواطنين الذين شاهدوه أو لديهم معلومات عنه أو عن مكان وجوده، الاتصال بفصيلة عرمون على الرقم 818503/05. أحمد واحد من بين عشرات القاصرين الذين لم يبلغوا سن الرشد القانونية، غادروا منازلهم وانقطعت أخبارهم لفترات طويلة قبل أن يتم العثور عليهم، إما من خلال الأهل أو بواسطة القوى الأمنية. ومهما اختلفت الدوافع والأسباب بين شخص وآخر، يبقى الغموض سيّد الموقف.
عام الخطف بامتياز
عادت أحداث الخطف المتنقلة على طرقات لبنان لتشكل جزءاً من المشهد العام المأزوم. وإذا ما تتبّعنا تزايد جرائم الخطف مقابل فدية مالية لهذا العام، يمكن اعتباره «عام الخطف بامتياز». فقد زادت الأعداد بشكل مطرد، إذ بلغت بحسب «الدولية للمعلومات» 50 جريمة خطف بعد أن كان العدد 12، أي بارتفاع 38 جريمة خطف بنسبة 316.7%.
أحدث قضايا الخطف التي أثارت غضباً عارماً في الشارع اللبناني، كانت قضية اختطاف غالب عروب (15 سنة) وشقيقه مهند عروب (13 سنة)، اللذين وقعا ضحية عملية اختطاف من قِبل مجهولين يستقلون سيارة رباعية الدفع. الشقيقان السوريان كانا ينتقلان من منزلهما في بعلبك إلى مكان عمل والدهما، عندما اقتيدا إلى جهة مجهولة. طالب الخاطفون في اتصال مع والدهما بفدية مالية تحت طائلة بيع أعضاء ولديه. وفي تحليل بسيط لهذا المشهد وعناصره بدءاً من اختطاف طفلين، إلى تنفيذ الخاطفين عمليتهم في وضح النهار، وصولاً إلى اختيار أبناء الطبقة الميسورة، يشير إلى أن المجرمين باتوا يسعون للحصول على المال بأي طريقة.


جاءت هذه الحادثة لتدق ناقوس الخطر، وتعيد ترتيب حياة اللبنانيين بما يتلاءم مع الوضع الحالي. فامتنع العديد من الأهالي عن السماح لأطفالهم بمغادرة منازلهم بمفردهم. وقامت بعض البلديات بتشكيل لجان لحماية ومراقبة مداخل القرى.
وكانت القوى الأمنية قد حذّرت في وقت سابق من عمليات خطف خارج الحدود اللبنانية. وأوضحت أن «عصابات الخطف تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لاستدراج ضحاياها، ومنها تطبيق «تيك توك»، وذلك عن طريق الإعلانات التي ينشرها أفرادها على التطبيق المذكور، موهمين ضحاياهم أنهم يملكون مكتباً للمساعدة على الهجرة إلى دول أوروبية».

نساء وفتيات في مهبّ الريح
بعد مرور ثمانٍ وأربعين ساعة على اختفائهن، يترددّ ذوو النساء في الإبلاغ عنهن خوفاً من «القيل والقال». فتعميم صورة «مفقودة» يفتح الباب أمام سجالات وإشاعات تبدأ من لحظة اختفاء إحداهن، ولا تنتهي بعد عودتهن.
لا شك أن الفئة الأكثر عرضة للاختفاء هي فئة القاصرات، واللواتي زاد عددهن في الآونة الأخيرة، ليبلغ 24 مفقودة عام 2022. ولكن ما الذي يدفع بعض النساء، والقاصرات خصوصاً، إلى مغادرة منازلهن؟
تكثر الأسباب والدوافع، وتأتي المشاكل العائلية والعنف الأسري في مقدمتها، وقد أضيفت إليها في الآونة الأخيرة عمليات الابتزاز الجنسي الإلكتروني التي وقعت ضحيتها العديد من الفتيات، مما اضطرهن للهروب من عائلاتهن خوفاً من الفضيحة.
في المقابل، فإن بعض الفتيات غادرن منازلهن «بإرادتهن». علا (18 سنة) واحدة من كثيرات كان خيار «الخطيفة» الأخير لديها، بعدما عارض أقاربها زواجها من ديانة مختلفة، فلجأت إلى الهرب بدافع الحب، في بلد تغيب فيه قوانين الزواج المدني، ويغيب معه احترام إرادة هؤلاء الأشخاص.
أما القاصر ريما (17 سنة)، فلم تتوقع أن تُقدم والدتها على إبلاغ القوى الأمنية، بخبر اختفائها، رغم علمها بقرارها مغادرة المنزل، بعدما رفضت والدتها زواجها. ما دفع بالفتاة إلى العودة وتبيان حقيقة ما جرى تفادياً لاتهام شريكها بالخطف.
ومهما كانت الأسباب أو الدوافع، فإن هذه الفئة تتطلب رعاية خاصة من قِبل الأهل، ومن بعض الجمعيات، لتأمين بيئة سليمة وآمنة لهن خوفاً من ابتزازهن واستغلالهن جنسياً من قِبل بعض العصابات. كما تتطلب تكثيف التوعية حول جرائم الابتزاز الإلكتروني التي أدت إلى انتحار العديد من الفتيات.
وكان قد شهد العام 2022 حالات اختفاء لعديد من القاصرات لأسباب مجهولة. نذكر منها:
بتاريخ 26/11/2022 غادرت القاصرتان علا أحمد السقر (مواليد عام 2005، سورية)، وحلا أحمد السقر (مواليد عام 2012، سورية) منزل ذويهما الكائن في محلة برج حمود. وطالبت القوى الأمنية من الذين شاهدوهما أو لديهم أي معلومة عنهما، الاتصال بفصيلة برج حمود على الرقم 244431/01.
عصابات الخطف تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لاستدراج ضحاياها ومنها تطبيق «تيك توك»


وبتاريخ 19/12/2022 اختفت آية رسمي عثمان (مواليد عام 2009، لبنانية) أثناء تجولها مع والدتها في مدينة الهرمل/ محلة الدورة. وطالبت القوى الأمنية من الذين شاهدوها ولديهم أي معلومات عنها أو عن مكانها، الاتصال بمخفر الهرمل على الرقم 200133/08.
من جهة أخرى، سُجل اختفاء نساء متزوجات برفقة أولادهن، منهن السورية دينا (مواليد 1993) التي اختفت مع طفليها روجينا (مواليد 2012) ومحمد (مواليد 2013). وطالبت القوى الأمنية من الذين شاهدوهم أو لديهم معلومات عنهم الاتصال بفصيلة المنية على الرقم 462094/06.
وعلى رغم تأكيد مصدر من قوى الأمن أن «غالبية حالات الفقدان تعود لأسباب شخصية وليست أمنية ومنها خلافات عائلية»، إلا أن الغموض الذي رافق اختفاء النساء والفتيات أثار الهلع في قلوب الأهالي، وخاصة بعد الجريمة الوحشية في بلدة أنصار، والتي راحت ضحيتها أم وبناتها
الثلاث. وكن قد اختفين في الثاني من آذار من دون أن يعرف لهن أثر وانقطعت أخبارهن، إلى أن تم العثور عليهن مقتولات ومدفونات داخل مغارة في بلدتهن أنصار بعد أسبوعين.

«الغايب عذره معه»
بعد كل حادثة اختفاء أو هرب نسمع عبارة «مريض نفسي»، وكأنها باتت كلمة مرادفة للمفقود. وإذا بحثنا قليلاً، فإن ذوي المفقودين هم أول من يُطلقها، وكأنها عذر لا يقبل الشك، أو حماية لهم من تداعيات هذا الاختفاء.
وسجّل هذا العام لائحة طويلة من المفقودين الذين يعانون أمراضاً نفسية، نذكر منهم:
في 29/11/2022، غادر منصور أنطوان صيقلي (مواليد عام 1966، لبناني) منزله الكائن في محلّة الأشرفية.
وبتاريخ 31/3/2022 خرجت ديبة حسن جندي (مواليد عام 1980، لبنانية) من منزل خالتها في بلدة النميرية – النبطية.
إلى جانب بعض الحالات النفسية، سُجّل فقدان بعض الأشخاص ممّن يعانون من مرض «ألزهايمر» من بينهم:
منعم نجيب الحسنية (مواليد عام 1960، لبناني) حيث غادر بتاريخ 23/12/2022، ولم يعد بعد حتى تاريخه.
من المهم في هذه الحالات، التعاون من قِبل الأهل، كذلك العناية بالمرضى وحمايتهم من مخاطر الضياع أو تعرضهم للأذى. وهذا ما عملت عليه العديد من الجمعيات، إذ ساهمت في حماية بعض الأشخاص ممّن يعانون من أمراض عقلية وعصبية وإيوائهم في بيئة تؤمّن لهم كل ما يحتاجونه من تقديمات اجتماعية وصحية.



اختفاء ثلاثة أطفال
عمّمت القوى الأمنية صوراً لثلاثة أطفال قصّر، وأعلنت عن فقدانهم بعد مغادرتهم منزل والدهم الكائن في مدينة الشويفات لمدة شهرين. لتعود وتعلن في بيان لاحق عن العثور على الأطفال بعد اتصال والدتهم بفصيلة الشويفات بتاريخ 7/1/2023 وإفادتها أن الأولاد الثلاثة موجودون معها في ألمانيا. هذا الأمر، طرح علامات استفهام عدة حول غياب التنسيق بين القوى الأمنية من جهة، والأمن العام من جهة ثانية. فتساءل المتابعون: «كيف لم تتأكد القوى الأمنية من مغادرة الأطفال الأراضي اللبنانية بعد فقدانهم لمدة شهرين»؟ فيما رجّح آخرون أن تكون الأم قد هرّبت الأطفال بسبب مشاكل الحضانة مع الأب. هذه الفوضى، التي سترتّب على القوى الأمنية متابعة أدق لبعض حالات الاختفاء، ستبقي من جهة ثانية، الباب مفتوحاً أمام التأويلات والتكهّنات حول أي قصة هروب أو اختفاء أو إخفاء أو خطف.