عندما يروي الرئيس حسين الحسيني الواقعة التالية، لا يسع محدّثه الا ان يدوّنها:«بعد اقل من اسبوع على انتخابي رئيساً للمجلس في تشرين الاول 1984، ذهبت الى البقاع. زارني هناك احسان ابو خليل (الامين العام للمجلس)، وكان في يده ملف اخرج منه ورقة، هي مذكرة اصدرها رئيس الحكومة رشيد كرامي يطلب فيها من وزير المال الرئيس كميل شمعون تجميد اجزاء من تعويضات النواب والتوقف عن دفعها الى حين صدور قانون بذلك. فور تسلّمه اياها وقع الرئيس شمعون المذكرة وكتب في اسفلها للتنفيذ.
باطلاعي عليها استغربت توقيع الرئيس شمعون اكثر مما تضمنته المذكرة. خابرته قائلاً: ولو يا فخامة الرئيس. انت الرئيس كميل شمعون المحامي والمشترع والنائب والوزير ورئيس الجمهورية، هل يمكن ان تقرّ مبدأ تجميد تنفيذ قانون بمذكرة؟
قال لي: لا تظلمني على التلفون. اذا كان لديك وقت امرّ عليك في الغد الساعة العاشرة.
حضر في الموعد قائلاً: الرئيس كرامي رئيسي. هو رئيس الحكومة وانا عضو في حكومته. اذا قلت ان المذكرة غير قانونية ولا تصح ومخالفة للقانون، ماذا يعني ذلك سوى اهدار هيبته. هيبتنا مستمدة من هيبة رئيس الحكومة امام الموظفين واللبنانيين. هو صديقك وانا لا اتحدث معه. في مجلس الوزراء لا نتخاطب مباشرة، بل كل منا يتحدث مع الآخر من طريق مخاطبة رئيس الجمهورية. يوجه كلانا كلامه اليه عندما يريد التحدث مع الآخر. لا نحكي مع بعضنا. انت صديقه. إطلب منه سحب المذكرة ، فيعفيني ويعفيك من كل هذه القصة.
فاجأني موقفه اذ وجدت نفسي امام رجل دولة من طراز رفيع. اعتذرت منه لتحدثي اليه قبل الرئيس كرامي. خابرت الرئيس كرامي وأعلمته بزيارتي له في منزله في عين التينة الساعة الخامسة. رويت له حرفياً ما سمعته من الرئيس شمعون، فرد: الله يلعن ابو السياسة. ثم قال: المرة الاولى صرت فيها وزيراً كان الرئيس شمعون الذي عيّنني عام 1953. ثم في عام 1954 ثم في عام 1955. في عهده صرت للمرة الاولى رئيساً للحكومة عام 1955. الله يلعن ابو السياسة.
اقترحت عليه مباشرة علاقة جديدة مع الرئيس شمعون، فقال: انت مفوَّض.
اتفقنا على ان نجتمع في مكتبي في قصر منصور نحن الثلاثة من دون اعلام. وهذا ما حصل بأن عقدت اجتماعات عدة في الاشهر التالية وتبادلنا الافكار والملاحظات والمسودات، سرعان ما انضم الينا الرئيسان تقي الدين الصلح وسليم الحص. في 10 آذار 1985 كنا توصلنا الى وثيقة مبادىء وفاق وطني وبتنا في صدد الاعلان عنها باسم المجلس النيابي بعدما وافقت عليها الكتل والنواب كي تصدر بالاجماع. الا ان انتفاضة القوات اللبنانية على عهد الرئيس الجميّل بعد يومين، في 12 آذار، نسفتها فطارت المبادرة».